عدد عُمَر النبي صلى الله عليه وسلم

اعتمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أربع مرات في حياته؛ كانت كلهنّ في شهر ذي القعدة، إلا التي كانت مقرونة مع حجّته؛ ففي الصحيح عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّه قال: (اعْتَمَرَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أرْبَعَ عُمَرٍ، كُلَّهُنَّ في ذِي القَعْدَةِ، إلَّا الَّتي كَانَتْ مع حَجَّتِهِ: عُمْرَةً مِنَ الحُدَيْبِيَةِ في ذِي القَعْدَةِ، وعُمْرَةً مِنَ العَامِ المُقْبِلِ في ذِي القَعْدَةِ، وعُمْرَةً مِنَ الجِعْرَانَةِ، حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ في ذِي القَعْدَةِ، وعُمْرَةً مع حَجَّتِهِ).[١][٢]


وهذه العُمَر كما ثبت في الحديث كانت على النحو الآتي:


الأولى

كانت أولى عُمَر النبي -صلى الله عليه وسلم- عمرة الحديبيّة، وقد كانت سنة ستّ، فصدّه المشركون عن البيت الحرام، فنحر البدن في الحديبيّة، وحلق هو وأصحابه، وتحللوا من الإحرام، ورجع إلى المدينة المنورة.[٣]


الثانية

لمّا عاد النبي -صلى الله عليه وسلم- من عمرة الحديبيّة حين صُدّ عن البيت؛ رجع لأداء العمرة في العام التالي لقضائها؛ فكانت العمرة الثانية هي عمر القضيّة؛ فدخل مكة المكرمة، وأقام فيها ثلاثة أيام، وأدّى المناسك، ثمّ خرج منها بعد ذلك، وقد تعددت الآراء بين أهل العلم حول هذه العمرة؛ هل كانت قضاءً لعمرة الحديبيّة، أم كانت عمرة مستأنفة؛ فذهب بعض أهل العلم أنّها كانت قضاء؛ وسمّيت تبعاً للحُكم عمرة القضاء.[٤]


بينما ذهب آخرون أنّها ليست بقضاء، وأضافوا أنّ تسميتها بعمرة القضاء ليس لحكمها، إنّما من المقاضاة؛ حيث قاضى النبي -صلى الله عليه وسلم- أهل مكة المكرمة عليها، ثم إنّ الذي صُدّوا عن البيت لم يكونوا كلّهم مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذه العُمرة، ولو كانت قضاءً لما تخلّف منهم أحداً، إضافةً إلى أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يأمر بالقضاء، لذا رجّح بعض أهل العلم هذا القول على القول الأول.[٤]


الثالثة والرابعة

كانت عمرة النبي -صلى الله عليه وسلم- الثالثة مقرونة مع حجّه، بينما كانت عمرته الرابعة من الجعرانة؛ لمّا خرج إلى حُنين ثم عاد إلى مكة المكرمة، فاعتمر من الجعرانة داخلاً إليها؛ حيث قسّم الغنائم من غزوة حُنين في ذي القعدة كذلك.[٥]


ولا يتعارض كل ما سبق مع ما ثبت عن البراء بن عازب -رضي الله عنه-، حيث قال: (اعْتَمَرَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- في ذِي القَعْدَةِ قَبْلَ أنْ يَحُجَّ مَرَّتَيْنِ)؛[٦] لأنّ المراد هنا العمرة المفردة التي تمّت، والعمرة التي حيل بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وبين تمامها؛ حين الحديبيّة، ولا ريب أنّهما عمرتين؛ فعمرة القِرَان في الحجّ لم تكن مستقلة.[٥]


عدد حجّات النبي صلى الله عليه وسلم

حجّ النبي -صلى الله عليه وسلم- حجّة الإسلام بعد فرض الحجّ في السنة العاشرة للهجرة مرة واحدة؛ فكانت هذه الحجّة هي حجّة الوداع، أمّا عن عدد حجّات النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل فرض ركن الحجّ؛ فقد تعددت أقوال العلماء في ذلك، فقيل:[٧]

  • ثلاث حجّات؛ وكان ذلك قبل هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة المنورة، وهذا العدد مبني على عدد وفود الأنصار في مواسم الحجّ، حيث إنّهم قدموا في الموسم الأول فتواعدوا، ثم التقوا في الموسم الثاني، فتبايعوا بيعة العقبة الأولى، ثم كانت البيعة الثانية في الموسم الذي يليه.
  • إنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يحجّ في كل عام حجّة، وذلك قبل أن يهاجر إلى المدينة المنورة.

المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:4148، صحيح متفق عليه.
  2. سعيد بن وهف القحطاني، مناسك الحج والعمرة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة، صفحة 595. بتصرّف.
  3. العظيم آبادي، شرف الحق، عون المعبود وحاشية ابن القيم، صفحة 221، جزء 5. بتصرّف.
  4. ^ أ ب مناع القطان، تاريخ التشريع الإسلامي، صفحة 149. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ابن القيم، زاد المعاد في هدي خير العباد، صفحة 112، جزء 2. بتصرّف.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم:1781، صحيح.
  7. محمد سعيد البوطي، فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة، صفحة 326-327. بتصرّف.