المهاجرون والأنصار

أسّس النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم- الدولة الإسلامية في المدينة المنورة وكان المجتمع المسلم فيها يضمُّ أكثر من طائفةٍ، لكنَّ النبيَّ -عليه الصلاة والسّلام- كان حكيماً في تعامله مع تلك الطوائف؛ حمايةً لصرح الإسلام الجديد وتقويته، فسعى بدايةً في تقوية العلاقات بين قبيلتي الأوس والخزرج وهما اللتان شكلتا أهل المدينة الذين استقبلوا الرسول والمهاجرين من مكة؛ أي أنّهم الأنصار، وكانتا أيضاً من أكبر القبائل العربية في ذلك الوقت، ثمّ انتقل -عليه السلام- إلى تقوية العلاقات بين الأنصار والمهاجرين الذين تركوا أموالهم وديارهم وأهلهم وعشيرتهم في سبيل الإسلام، وانتقلوا إلى بلدٍ جديدٍ، وتمثّلت تقوية العلاقات بين الفريقين فيما يُعرف بالمؤاخاة.[١]


سبب المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار

اختار النبيّ -عليه الصلاة والسلام- المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار للعديد من الأسباب التي منها:[٢]

  • التغلّب على مشاعر الغربة ومفارقة الأهل والديار وترك الأموال والأملاك التي خلّفها المهاجرين في مكّة في سبيل الدعوة.
  • الوقوف إلى جانب المهاجرين في مواجهة حياةٍ جديدةٍ وواقعاً مادياً ومعيشياً جديداً، إضافةً إلى ظهور الأمراض بينهم كالحمّى وغيرها التي أحدثها السفر المفاجئ إلى بيئةٍ أخرى.
  • تعويض المهاجرين عمّا افتقدوه في أوطانهم.
  • إشعار المهاجرين في مكانتهم وتضحيتهم في سبيل الدعوة، وبأنّهم لن يكونوا عبئاً على إخوانهم الأنصار.


مكان المؤاخاة

عقد النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار في دار أنس بن مالك -رضي الله عنه-.[٣]


عدد الصحابة الذين شاكوا في المؤاخاة

آخى النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بين تسعين رجلاً، نصفُهم من المهاجرين، والنصف الآخر من الأنصار.[٣]


من أروعِ قصصِ المؤاخاةِ بين المهاجرين والأنصار

سطّر الصحابة -رضي الله عنهم- أروع الأمثلة في المؤاخاة وبذل كلٌّ منهم ما يملك لأخيه، ومن القصص الواردة في ذلك ما بذله الصحابيّ عبدالرحمن بن عوف لأخيه الصحابي سعد بن الربيع، أخرج الإمام البخاريّ في صحيحه عن عبدالرحمن بن عوف -رضي الله عنه-: (لَمَّا قَدِمُوا المَدِينَةَ آخَى رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيْنَ عبدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ، وسَعْدِ بنِ الرَّبِيعِ، قالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: إنِّي أكْثَرُ الأنْصَارِ مَالًا، فأقْسِمُ مَالِي نِصْفَيْنِ، ولِي امْرَأَتَانِ فَانْظُرْ أعْجَبَهُما إلَيْكَ فَسَمِّهَا لي أُطَلِّقْهَا، فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَتَزَوَّجْهَا، قالَ: بَارَكَ اللَّهُ لكَ في أهْلِكَ ومَالِكَ، أيْنَ سُوقُكُمْ؟ فَدَلُّوهُ علَى سُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ، فَما انْقَلَبَ إلَّا ومعهُ فَضْلٌ مِن أقِطٍ وسَمْنٍ، ثُمَّ تَابَعَ الغُدُوَّ، ثُمَّ جَاءَ يَوْمًا وبِهِ أثَرُ صُفْرَةٍ، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَهْيَمْ، قالَ: تَزَوَّجْتُ، قالَ: كَمْ سُقْتَ إلَيْهَا؟. قالَ: نَوَاةً مِن ذَهَبٍ، - أوْ وزْنَ نَوَاةٍ مِن ذَهَبٍ، شَكَّ إبْرَاهِيمُ).[٤][٥]


صحابةٌ آخى النبي بينهم

آخى النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بين المهاجرين والأنصار، وكان قد اتّخذ -عليه الصلاة والسلام- علياً بن أبي طالب -رضي الله عنه- أخاً له، ومن الصحابة الذين آخى بينهم:

  • أبو بكر الصدّيق وخارجة بن زيد الأنصاريّ.
  • أبو عبيدة عامر بن الجرّاح وسعد بن معاذ الأنصاريّ.
  • عمر بن الخطاب وعتبان بن مالك الأنصاريّ.
  • عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع الأنصاريّ.
  • عثمان بن عفان وأوس بن ثابت الأنصاريّ.
  • طلحة بن عُبيدالله وكعب بن مالك الأنصاريّ.
  • سعيد بن زيد وأبيّ بن كعب الأنصاري.


عبر ودروس مستفادة من المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار

دلّت المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار على العديد من العِبر والدروس التي يُذكر منها:[٦]

  • التأكيد على أهمية التوحيد والدلالة على أنّه الأساس في علاقات المسلمين فيما بينهم، فحصر الإسلام الأخوّة والموالاة بين المؤمنين فقط، لذلك كان التآخي بين المهاجرين والأنصار مسبوقاً بعقيدة التوحيد وقائماً عليها، قال -تعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ...).[٧]
  • الدلالة على أنَّ المؤاخاة في الله من أقوى الدعائم في بناء الأمة الإسلامية، لذلك كان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- حريصاً على تعميق وتحقيق ذلك المعنى في المجتمع المسلم الجديد.
  • القضاء على العصبيّة الجاهلية، والعادات التي انتشرت فيها من التفريق بين أفرادها بحسب النسب والقبيلة والجاه وغير ذلك، قال -تعالى-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).[٨]
  • المساهمة في تقوية المجتمع المسلم الجديد في المدينة، فالولاء لله وحده ولرسوله -صلّى الله عليه وسلّم-، فأزالت المؤاخاة كلّ ما شأنه إضعاف بُنيان دولة الإسلام الناشئة، فأصبح المسلمون كالجسد الواحد في كلّ الأحوال والظروف، وبذلك جُعل المسلمون من أقوى الأمم على الأرض، وما كلّ ذلك إلّا بفضل حكمة الرسول -عليه السلام- الذي آخى بين الصحابة مباشرةً بعد الهجرة وبناء المسجد.


المراجع

  1. راغب السرجاني، كتاب السيرة النبوية، صفحة 4-5. بتصرّف.
  2. إسلام ويب (2012/03/26)، "المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار"، قصة الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 31/8/2021. بتصرّف.
  3. ^ أ ب سعيد بن وهف القحطاني، كتاب رحمة للعالمين، صفحة 261-262. بتصرّف.
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الرحمن بن عوف، الصفحة أو الرقم:3780، صحيح.
  5. إسلام ويب (07/10/2009)، "المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار دروس وعبر"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 31/8/2021. بتصرّف.
  6. سورة الحجرات، آية:10
  7. سورة آل عمران، آية:103