غزوة حنين
وقعت غزوة حنين بين المسلمين وقبائل كفار قريش وهي هوازن وثقيف،[١] ومن حولهما من قبائل العرب كسعد بن بكر، ونصر وجُشَم،[٢] وحدثت في شهر شوال من السنة الثامنة للهجرة في وادي حنين وهو وادٍ إلى جنب ذي المجَاز، بينه وبين مكة سبعة وعشرون كيلو مترًا تقريبًا، من جهة عرفات والذي سميت الغزوة باسمه،[٣] وكان عدد المسلمين حينها اثنا عشر ألفًا.[١]
سبب غزوة حنين
بعد الفتح الأعظم الذي حققه المسلمون في مكة والذي أعز الله -سبحانه وتعالى- به الإسلام والمسلمين ونبيه محمد -صلّى الله عليه وسلّم-،[١] وما نتج عنه من استسلام قريش وخضوعها للأمر،[٤] بالإضافة إلى رضوخ بعض القبائل وإسلامها وولائها لرسول الله، وقبائل أخرى مثل هوازن وثقيف بقيت متمسكة بشركها وعصيانها بعبادة الأصنام ولم تستسلم لرسول الله وللمسلمين واستمروا بعدوانهم، هم ومن حولهما من قبائل العرب كنصر وجُشَم وسعد بن بكر وغيرهم،[٢] فقد اجتمع هؤلاء القبائل وحشدوا حشودهم، وكان مالك بن عوف سيد هوازن قائدًا عليهم وأجمعوا على قتال المسلمين قبل أن تنتشر فتوحاتهم وتوسعهم في البلاد.[٥]
أحداث غزوة حنين
خروج العدو لحرب المسلمين
بدأ القائد مالك بن عوف يجهز جيشه واضعًا خطة بخروج نساء وأولاد الجنود وأهليهم وأنعامهم معهم ليكونوا حافزًا لهم في القتال ويدافعوا عنهم، وكان قد اعترض خطته دريد بن الصمة وحاول أن يقنعه بتغييرها لكن مالك بن عوف بقي مصرًّا على موقفه، فوصل خبر نية هجوم قبائل هوازن وثقيف إلى الرسول -صلى الله عليه وسلّم- من قبل عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي الذي كان قد بعثه -عليه الصلاة والسلام- ليخرج بين الناس ويعلم أخبارهم ويأتي بها له، فأخبره باستباقهم بالخروج إلى وادي حنين وانتشارهم فيه لمواجهة المسلمين،[٥][٤] وبعد ذلك جهّز رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- جيشًا قبل فجر يوم المعركة مكونًا من اثنا عشر ألفًا، عشرة آلاف من الصحابة الذين خرجوا معه في فتح مكة، وألفان من أهل مكة الذين أسلموا والذين لم يسلموا،[٢] وعقد الألوية والرايات ونزلوا إلى وادي حنين ووزع المقاتلين في الوادي، وهم لا يعلمون ما خطط له كيد أعدائهم، ففي بداية نزول المسلمين للوادي بدأت نبال العدو برشقهم واشتد قتال الكافرين عليهم؛ مما أدّى إلى انهزام المسلمين وانسحابهم من المعركة راجعين إلى مكة، وكانت هزيمة كبيرة لهم.[٤]
موقف الرسول محمد بعد انسحاب المسلمين
بعد انهزام المسلمين في المعركة، أخذ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- ينادي بالناس وهم يمرّون أمامه ويدعوهم إلى الرجعة،[٦] فروي عن جابر بن عبد الله أنَّه قال: (وانحازَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم ذاتَ اليَمينِ، ثُمَّ قال: إليَّ أيُّها النَّاسُ، هَلُمُّوا إليَّ أنا رسولُ اللهِ، أنا مُحمَّدُ بنُ عَبدِ اللهِ)،[٧] كما ظهرت شجاعة الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- كذلك حين ركّز بغلته قبل الكفار وقال: (أنا النبيُّ لا كَذِبْ، أنا ابنُ عبدِ المُطَّلِبْ)،[٨] وكان عمه العباس ماسكًا بركابها وأبو سفيان بن عبد المطلب ماسكًا بلجامها حتى لا تسرع في سيرها، ثمَّ نزل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- من بغلته وطلب النصر من الله -سبحانه وتعالى-.[٦]
رجوع المسلمين إلى ساحة المعركة
أمر النبي -صلّى الله عليه وسلّم- عمّه العباس أن ينادي بالناس لأنَّ صوته جهورٌ وأمره أن يُخصص نداءه للأنصار،[٢] فقال العباس: (فَقُلتُ بأَعْلَى صَوْتِي: أَيْنَ أَصْحَابُ السَّمُرَةِ؟ قالَ: فَوَاللَّهِ، لَكَأنَّ عَطْفَتَهُمْ حِينَ سَمِعُوا صَوْتي عَطْفَةُ البَقَرِ علَى أَوْلَادِهَا، فَقالوا: يا لَبَّيْكَ، يا لَبَّيْكَ، قالَ: فَاقْتَتَلُوا وَالْكُفَّارَ)،[٩] ثمَّ أخذ يدعو الأنصار وبني الحارث بن الخزرج فتجمع المسلمون حول النبي -صلّى الله عليه وسلّم-،[٦] ثمَّ أخذ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- حصيات ورمى بها وجود الكفار، وهو يدعو ربه: (اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لي ما وَعَدْتَنِي)،[١٠] فلم يبقى كافر إلا وقد أصيب بشيء شغله عن القتال، واستمر المسلمون بالقتال بين يدي محمد -عليه الصلاة والسلام- حتى انهزمت قبائل المشركين.[١]
نتائج غزوة حنين
انتصار المسلمين وهزيمة المشركين
تفرّق العدو حين هزيمته فمنهم من ذهب إلى الطائف، ومنهم إلى نخلة، ومنهم إلى أوطاس؛ فأرسل رسول الله مجموعة من المطاردين إلى أوطاس بقيادة أبي عامر الأشعري واقتتل الفريقان وانتهى بهزيمة الكفار، كما أرسل مطاردين إلى نخلة للقتال، فقُتل دريد بن الصمة من قِبل ربيعة بن رفيع، وهكذا انتصر المسلمون انتصارًا عظيمًا على قبائل هوازن وثقيف وهزموهم هزيمةً نكراء، وبلغ عدد قتلاهم سبعين رجلًأ من ثقيف فقط، وحاز المسلمون على غنائم كبيرة من هوازن.[٦]
تقسيم الغنائم والتسامح النبوي
وبعد ما حققه المسلمون من مغانم كثيرة في المعركة، عاد النبي -صلّى الله عليه وسلّم- إلى الجعرانة وهو موضع بين الطائف ومكة ومعه الغنائم ومكث فيها ثلاث عشرة ليلة ولم يقسّمها آملًا إسلام القبائل، ثم جاء إليه وفد من هوازن الذين قد أسلموا ليأخذوا أموالهم وسبيهم، وخيّرهم رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بينهم واختاروا سبيهم؛ فخاطب -عليه الصلاة والسلام- المسلمين أنَّ من استطاع أن يرد السبي مجانًا فليفعل، ومن أراد أن يأخذ نصيبه منها فليقل حتى نعطيه مما نحصل عليه من الحرب بدون قتال، وانتهى تقسيم الغنائم بعفو النبي -صلى الله عليه وسلم- وإحسانه مع قبائل هوازن وثقيف.[٤]
إسلام مالك بن عوف
بعد العفو والمسامحة مع هوازن، أراد النبي -عليه الصلاة والسلام- مقابلة قائدهم مالك بن عوف، فسأل عنه وكان بالطائف مع ثقيف، فذهب مالك إلى النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وأعاد له النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أهله وماله ومعهم مائة من الإبل، فأسلم مالك بن عوف وحسن إسلامه واستعمله النبي -صلّى الله عليه وسلّم- على قومه.[٤]
المراجع
- ^ أ ب ت ث إسلام ويب (31/3/2004)، "غزوة حنين تداعياتها ونتائجها"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 25/5/2021. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث د. هند بنت مصطفى شريفي (22/3/2014)، "من آثار فتح مكة تحول ثقل معسكر الشرك وقيادة المشركين في حرب الإسلام إلى قبيلتي هوازن وثقيف [1 والصدام مع المسلمين في غزوة حنين "]، الألوكة الشرعية، اطّلع عليه بتاريخ 25/5/2021. بتصرّف.
- ↑ إسلام ويب (17/9/2017)، "غزوة حنين والتسامح النبوي"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 25/5/2021. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج إسلام ويب (17/9/2017)، "غزوة حنين والتسامح النبوي"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 25/5/2021. بتصرّف.
- ^ أ ب الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، فقه السيرة النبوية، صفحة 420. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث صفي الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم، صفحة 416. بتصرّف.
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن جابر بن عبد الله ، الصفحة أو الرقم:15027، (حديث إسناده حسن).
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم:4316، حديث صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عباس بن عبد المطلب، الصفحة أو الرقم:1775، (حديث صحيح).
- ↑ رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن عبد الله بن عباس وعمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم:1763، حديث صحيح.