دعاء الرسول في الطائف

ذكر جمعٌ من أهل السير والتراجم أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لمّا خرج من الطائف، وبصحبته زيد بن حارثة -رضي الله عنه-؛ جلس يستند إلى جدار بستان بعدما أصابه الأذى والإعراض من بني ثقيف، وكانوا قد رفضوا دعوته.[١]


ووصل بهم الأمر أنْ أغروا سفهاء القوم ليلقوه بالحجارة؛ حتى أُدميت قدماه الشريفتان، ونال مولاه زيد شجاج في رأسه؛ فأخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو ويتوجه إلى الله -تعالى- متضرعاً متذللاً، خاشعاً منيباً؛ يدعو بدعاء مؤثر يحرّك الوجدان، ويهزّ المشاعر، وتخشع له القلوب، وتذرف له الدموع.[١]


وفي هذا الدعاء قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي، وهَوَانِي عَلَى النَّاسِ، يَا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، أَنْتَ رَبُّ المُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبِّي، إِلَى مَنْ تَكِلُنِي؟ إِلَى بَعِيدٍ يَتَجَهَّمُنِي؟! أَمْ إِلَى عَدُوٍّ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي؟! إِنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ عَلَيَّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي، وَلَكِنَّ عَافِيَتَكَ هِيَ أوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ، وصَلَحَ عَلَيْهِ أمْرُ الدُّنْيَا والَآخِرَةِ مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَكَ، أَوْ يَحِلَّ عَلَيَّ سَخَطُكَ، لَكَ العُتْبَى حَتَّى تَرْضَى، وَلَا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّه).[٢][١]


صحة هذا الدعاء

اشتهر دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- بالطائف عند كثير من المحدثين والمصنفين، وفي عدد كبير من كتب السيرة النبوية؛ حتى نقله عدد من المؤلفين في كتب الأدعية والابتهالات في باب أدعية الكرب والشدائد،[٣] ولكنّ أهل العلم من المتأخرين والمتقدمين ضعّفوا إسناده، وحكموا عليه بالضُعف.[٤]


وإنّ أصح ما ورد في ذلك ما جاء في حديث عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-، حين سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أشدّ يوم لقيه بدعوته أكثر وطأة من يوم أحد؛ فقال -صلى الله عليه وسلم-: (... كانَ أشَدَّ ما لَقِيتُ منهمْ يَومَ العَقَبَةِ، إذْ عَرَضْتُ نَفْسِي علَى ابْنِ عبدِ يالِيلَ بنِ عبدِ كُلالٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إلى ما أرَدْتُ، فانْطَلَقْتُ وأنا مَهْمُومٌ علَى وجْهِي، فَلَمْ أسْتَفِقْ إلَّا وأنا بقَرْنِ الثَّعالِبِ).[٥][٤]


ويكمل -صلى الله عليه وسلم- فيقول: (فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فإذا أنا بسَحابَةٍ قدْ أظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فإذا فيها جِبْرِيلُ، فَنادانِي فقالَ: إنَّ اللَّهَ قدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وما رَدُّوا عَلَيْكَ، وقدْ بَعَثَ إلَيْكَ مَلَكَ الجِبالِ لِتَأْمُرَهُ بما شِئْتَ فيهم، فَنادانِي مَلَكُ الجِبالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قالَ: يا مُحَمَّدُ، فقالَ ذلكَ فِيما شِئْتَ، إنْ شِئْتَ أنْ أُطْبِقَ عليهمُ الأخْشَبَيْنِ، فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: بَلْ أرْجُو أنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِن أصْلابِهِمْ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ وحْدَهُ لا يُشْرِكُ به شيئًا).[٥][٤]


إسلام أهل الطائف

تذكر الروايات التاريخيّة أنّ قبيلة ثقيف جاءت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في عام الوفود -التاسع للهجرة-؛ بوفد من ستة أشخاص، على رأسهم عبد ياليل بن مسعود الذي رفض دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- في رحلته الأولى للطائف؛ وقد جاء هذا الوفد يريدون الإسلام، وإعلان اتباعهم للنبي -صلى الله عليه وسلم- هم وقبيلة ثقيف كلّها؛ وكان الدافع وراء إسلامهم يتلخص بالآتي:[٦]

  • إسلام القبائل العربية الكبرى؛ ودخولها في حزب النبي -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين؛ مثل غطفان وسليم وهوازن، ولم يبقَ من هوازن إلا فرع ثقيف.
  • إنّ مالك بن عوف النصري لمّا أسلم كان يديم الحصار على الطائف، هو قبيلته المسلمة هوازن؛ حتى ضيّقوا عليهم الأمر.
  • تردي الوضع الاقتصادي في الطائف بعد الحصار الذي أفقدها مكانتها التجاريّة في السوق.
  • فقدان ثقيف أحد أكبر زعمائها؛ والذي قُتل بسبب إسلامه، وهو عروة بن مسعود الثقفي؛ فخافت أن تفقد بقية رجالها بسبب ذلك.


وبهذا الحدث تبدّلت الأحوال، ودارت الأيام؛ فأسلمت الطائف، وأسلم بنو ثقيف؛ الذين رفضوا نصرة النبي -صلى الله عليه وسلم- ودعوته قبل اثنتي عشرة سنة؛[٦] حين أتاهم في رحلته المعروفة، وقد سفّهوه، وآذوه؛ ولكنّ رحمة النبي -صلى الله عليه وسلم- رغم كلّ ذلك تجلّت في مشهد عظيم.


حين استبشر النبي بخروج ذريّة من أصلاب هؤلاء القوم توّحد الله -تعالى-، فكانت البشارة، وأسلم القوم، وأتوه إلى دياره مقبلين؛ يتوافدون عليه -صلى الله عليه وسلم- في مجلسه؛ يتعلمون منه أمور الإسلام.

المراجع

  1. ^ أ ب ت ابن القيم، زاد المعاد في هدي خير العباد، صفحة 39، جزء 13. بتصرّف.
  2. رواه الطبراني، في المعجم الكبير، عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم:139، قال الهثمي فيه ابن إسحاق وهو مدلس ثقة وبقية رجاله ثقات.
  3. الطبراني، الدعاء، صفحة 315. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت أكرم العمري، السيرة النبوية الصحيحة محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية، صفحة 185-186، جزء 1. بتصرّف.
  5. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:3231، صحيح.
  6. ^ أ ب راغب السرجاني، السيرة النبوية، صفحة 9، جزء 44. بتصرّف.