الحجر الأسود

هو حجر أنزله جبريل -عليه السلام- من الجنة بأمرٍ من الله -سبحانه وتعالى-، وهو أشرف جزء من الكعبة المُكرمة، وقد جاء في الحديث أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (الحَجَرُ الأَسْوَدُ مِنَ الجَنَّةِ)،[١] كما ثبت أنَّه -عليه الصلاة والسلام- كان يُقبّل الحجر الأسود، وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقبّله حين يستلمه، ويقول: (وَاللَّهِ، إنِّي لأُقَبِّلُكَ، وإنِّي أَعْلَمُ أنَّكَ حَجَرٌ، وَأنَّكَ لا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قَبَّلَكَ ما قَبَّلْتُكَ)،[٢][٣] وهذا دليل على أنَّ استلام الحجر الأسود وتقبيله ليس مستحباً دائمًا، بل هو أمر متعلق بما يتيسّر بدون مزاحمة أو إلحاق ضرر بالغير، وأخرج النسائي عن حنظلة أنَّ طاوسًا كان إذا مرّ بالحجر الأسود لا يزاحم إن وَجدَ زحاماً، ويُقبّله ثلاثاً إن وجده خالياً، كما كان ذلك فِعل ابن عباس وعمر -رضي الله عنهما-.[٤]


حادثة وضع النبي للحجر الأسود

حصلت حادثة وضع النبي للحجر الأسود قبل البعثة بخمسة أعوام، وكان عمر النبي -صلّى الله عليه وسلّم- حينها خمس وثلاثون عاماً، وكانت لا تزال الكعبة حينها مبنيّة من الحجارة على الحال التي بناها عليها إبراهيم -عليه السلام-،[٣] وفي الحديث عن حادثة وضع النبي محمد -صلّى الله عليه وسلّم- للحجر الأسود يتعين شرح قصة حادثة هدم الكعبة وتفاصيل إعادة بناءها والتي تلاها حادثة وضع النبي للحجر الأسود، وهي على النحو الآتي مرتبةً وفق التسلسل الزمني:


فكرة إعادة بناء الكعبة

كانت قريش تفكر في أمر الكعبة المشرفة، فقد كان سقفها مفتوحاً، وجعلها ذلك عرضةً للسرقة والنّهب، لأنَّها تحتوي على الكثير من النفائس، لكنّهم كانوا يعظّمونها ويخشون من العبث بها، أو رفع بابها، أو سقفها، ويعتبرون ذلك ابتداعاً، ويخافون من ربّ الكعبة أن يصيبهم بالشرّ أو الأذى، وظلّوا كذلك حتى انحدر عليها سيل عظيم وأصابها، فتصدّعت جُدرانها ووهنت، فأصبح أمر إعادة بنائها ضرورياً مع خوفهم الشديد وتردُّدهم.[٥]


صادف ترددُ قريشٍ في بناء الكعبةِ سماعُهم بسفينةٍ قادمة من مصر قد رماها البحر وحطّمها، يملكها بنّاءٌ يُدعى باقوم، وكان على عِلمٍ بالنّجارة، وقد نزل في جدّة، فخرج إليه الوليد بن المغيرة مع عدد من قريش، وابتاعوا منه السّفينة، وطلبوا منه القدوم معهم إلى مكة ومعاونتهم في إعادة بناء الكعبة، فوافق على مساعدتهم، وتعاون معه قبطيّ في مكة كان على معرفةٍ بتسوية الخشب ونجره.[٥]


هدم الكعبة

اقتسمت قريش جوانب الكعبة الأربعة فيما بينها، وجعلوا لكل قبيلة جانباً يقومون بهدمه ثمَّ بنائه، لكنّهم تردّدوا كثيراً قبل ذلك خوفاً من إصابتهم بالأذى، فأقدم الوليد بن المغيرة على هدم جزء من الركن اليماني، وهو خائف يدعو آلهته، فانتظر الناس حتى يروا ما هو حاصل بالوليد، وعندما أصبح ورآه الناس دون أن يصيبه شيء بدؤوا بالهدم ونقل الحجارة، وكان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يساعدهم وينقل معهم، ثمَّ وصلوا إلى حجارةٍ خُضرٍ وضربوها فارتد المعول عنها، فجعلوها أساساً ليرفعوا فوقه بناء الكعبة.[٥]


وضع النبي للحجر الأسود

عندما ارتفع بنيان الكعبة ووصلوا إلى موضع الحجر الأسود نشب الخلاف بين القبائل، وكل منهم يريد نيل شرف وضع الحجر الأسود في مكانه، ثمَّ اقترح عليهم أبو أمية بن المغيرة المخزومي بأن يُحكّموا فيهم أوّل داخلٍ عليهم، فأعجبهم اقتراحه ووافقوا، وأخذوا ينتظرون من هو أوّل من يدخل عليهم من باب المسجد الحرام، فإذا بالنبي -صلّى الله عليه وسلّم- يدخل، فلمّا رأوه هتفوا: "هذا الأمين، رضينا، هذا محمد"، وعندما وصلهم أخبروه بالخبر، فطلب منهم أن يأتوا إليه بثوب، فأتوا به فرفع الحجر ووضعه في وسط الثوب، ثمَّ طلب منهم أن تمسك كل قبيلة بطرفٍ من الثوب، وأن يرفعوه جميعاً، وعندما رفعوه إلى موضعه أمسكه بيده الشريفة وجعله في مكانه، وانتهى الخلاف بينهم.[٣]


المراجع

  1. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن قتادة ، الصفحة أو الرقم:13944، حديث إسناده صحيح على شرط الشيخين.
  2. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم:1270، حديث صحيح.
  3. ^ أ ب ت فريق موقع إسلام ويب (19/5/2013)، "الحجر الأسود"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 16/6/2021. بتصرّف.
  4. خطاب محمد (28/10/2012)، "الحجر الأسود وحقيقة عنصره"، شبكة الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 16/6/2021. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ت محمد حسين هيكل، حياة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، صفحة 89. بتصرّف.