عام الوفود هو العام التاسع للهجرة؛ وقد سمّي بذلك لأنه أقبلت قبائل العرب وأفرادها من سائر أنحاء الجزيرة العربية في أواخر هذا العام وطوال العام العاشر للهجرة بالتوافد والتدفق بكثرة إلى المدينة المنورة لإعلان إسلامها ومبايعة النبي -صلى الله عليه وسلم- على الولاء والطاعة، وتعلّم الإسلام وأحكامه، وذكرت كتب السير أنه وصل عددهم إلى ستين وفداً فأكثر، وذلك كان نتيجة فتح مكة وهزيمة المشركين، ودخول بعض رؤساء قريش في الإسلام، وعودة النبي -عليه الصلاة والسلام- من تبوك سالماً منتصراً، وظهور هيبة الإسلام والمسلمين.[١][٢]


أسباب كثرة الوفود في العام التاسع وما بعده

ترجع كثرة توافد وتتابع القبائل العربية للدخول في الإسلام في العام التاسع والعاشر لعدة أسباب، من أبرزها:[٣]


فتح مكة وهزيمة المشركين في حنين

كان فتح مكة المكرمة وهزيمة المشركين في غزوة حنين في العام الثامن للهجرة نقطة فاصلة في سقوط زعامة الشرك والقضاء على الوثنية، كما كان دخول قبيلة هوازن في الإسلام وانتمائها للرسول -عليه الصلاة والسلام- وهي أكبر القبائل الوثنية وأقواها، ومجيء وفد ثقيف وإسلامهم الأثر العميق في نفوس المترددين من العرب، الذي أدى إلى تيقّنهم من انتصار الإسلام، وإزالة الشبهات عنهم ومعرفتهم أحقية الإسلام، مما أدى إلى المسارعة في اعتناقهم للإسلام، وإرسالهم وفوداً.[٣]


هدم النبي للأصنام الكبيرة في مكة

عندما هدم النبي -صلى الله عليه وسلم- في فتح مكة الطواغيت والأصنام الكبيرة في مكة المكرمة التي كانت تشكّل ضغطاً نفسياً عند العرب، أزال الحاجز والعائق الذي بينهم وبين الإسلام، وأسقط حصن المقاومة أمام دين الله، وانهار جدار الكفر، فانفتح لهم الدخول بالإسلام بخفةٍ وسرعةٍ من غير خوف.[٣]


العدل الذي أقامه النبي ويسر الإسلام

كان من أهم أسباب كثرة الوفود ودخولهم في الإسلام العدل والأمن الذي حققه النبي -صلى الله عليه وسلم- في المجتمع الإسلامي، وما تميّزت به تعاليم الشريعة الإسلامية من اليسر والسماحة، وموافقتها للفطرة.[٣]


عودة النبي من غزوة تبوك منتصراً

كان لانتصار المسلمين على الروم في غزوة تبوك من العام التاسع تحولاً كبيراً، فعندما خرج المسلمون بقيادة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى تبوك لملاقاة الروم، فرّ الجيش الروماني دون قتالٍ، خوفاً من مواجهة الجيش الإسلامي، فسقطت هيبة دولة الروم أمام أهل الأرض، بعد أن كانت أقوى الجيوش التي تهدد حدود الجزيرة العربية، وظهرت العزّة والتمكين للمسلمين، مما كان له دورٌ كبير في كثرة الوفود ودخول القبائل العربية في الإسلام.[٤]


من أهم الوفود التي جاءت إلى المدينة

من أبرز الوفود التي جاءت إلى المدينة لتعلن إسلامها ما يلي:[٥]


وفد بني تميم

وهو من أبرز الوفود التي جاءت في العام التاسع، حيث كانت لهم مكانة ومنزلة بين العرب، وعُرفت بتميّزها في مجال الأدب والشعر والخطابة، وهم الذين نزلت فيهم آيات آداب الاستئذان وكيفية مخاطبة النبي -عليه الصلاة والسلام- في مطلع سورة الحجرات.[٦]


وفد عبد القيس

كان رجلاً من عبد القيس اسمه منقذ بن حيان، يأتي إلى المدينة بهدف التجارة، فسمع دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأسلم وحسن إسلامه، ثم أرسله -عليه الصلاة والسلام- إلى قومه بكتاب يدعوهم فيه إلى الإسلام، فأتوا إليه،[٦] وقد رحب بهم -عليه الصلاة والسلام- قائلاً: "مَرْحَبًا بالقَوْمِ، أوْ بالوَفْدِ، غيرَ خَزايا ولا نَدامَى"،[٧] وكان كبيرهم الأشجّ؛ الذي قال له النبي: "إنَّ فيكَ خَصلتينِ يحبُّهُما اللَّهُ: الحِلمُ، والأَناةُ".[٨]


وفد بني نجران

وقد أتوا إلى المدينة المنورة وكان عددهم ستين راكباً، من بينهم ثلاثة من رؤسائهم يرجع الأمر إليهم، وكانوا كلهم على دين النصرانية، فدعاهم النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى الإسلام وتلا عليهم القرآن، وحصل نقاش طويل، وكثر الجدل فيما بينهم، ونزلت آيات تجيب عن تساؤلاتهم، إلا أنهم رفضوا قبول الإسلام، ثم طلبوا الصلح من النبي -عليه الصلاة والسلام- ووافقوا على دفع الجزية، واشترطوا أن يبعث معهم رجلاً أميناً ليأخذ المال منهم، فأرسل معهم النبي -عليه الصلاة والسلام- أبا عبيدة -رضي الله عنهم-، ثم انتشر الإسلام فيما بينهم بعد ذلك لعلمهم أنه رسول الله حقاً وأن الإسلام هو دين الحق.[٦]


المراجع

  1. مجموعة من المؤلفين، التعريف بالإسلام، صفحة 268. بتصرّف.
  2. أكرم العمري، السيرة النبوية الصحيحة محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية، صفحة 541. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث محمد بن صامل السلمي، صحيح الأثر وجميل العبر من سيرة خير البشر صلى الله عليه وسلم، صفحة 279. بتصرّف.
  4. محمد الطيب النجار، القول المبين في سيرة سيد المرسلين، صفحة 372. بتصرّف.
  5. محمد أبو شبهة، السيرة النبوية على ضوء الكتاب والسنة، صفحة 542-549. بتصرّف.
  6. ^ أ ب ت "عام الوفود"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 19/10/2022. بتصرّف.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:53، صحيح.
  8. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:2011 ، صحيح.