أخلاق النبي محمد

عُرف النبي صلى الله عليه وسلم بحسن أخلاقه من قبل البعثة، فقد أجمع الناس على حُسن خُلق النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، سواءً من المسلمين أو غيرهم، بالرغم من أنهم انقسموا إلى مصدّقين ومكذّبين لرسالته -عليه الصلاة والسلام-، إلّا أنّهم أجمعوا على حُسن خلقه -عليه الصلاة والسلام-، حيث اختلف أهل قريش ذات يوم بمن يضع الحجر الأسود في مكانه، فقال أحدهم: (اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ أَوَّلَ رَجُلٍ يَدْخُلُ مِنَ الْبَابِ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم، فَقَالُوا: هَذَا الْأَمِينُ، وَكَانُوا يُسَمُّونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْأَمِينَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، قَدْ رَضِينَا بِكَ)،^[١] فلم يشكّ أحدهم بحُسنه يوماً، وقد شهد الله -عزّ وجلّ- له بأخلاقه الحميدة، فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}،^[٢] فأمر المسلمين بالاقتداء به، والتحلي بأخلاقه الحسنة، حيث أخبر -عليه السلام- أنّه بُعِث ليتمم مكارم الأخلاق، فهو أسوة حسنة لنا جميعاً.^[٣]

أخلاق النبيّ محمد

اتصف رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بالعديد من الأخلاق الحسنة، والصفات الحميدة، والتي لا يمكن حصرها، وفيما يلي ذكر بعضها دون حصر لها:

الصدق

شهد لرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- جميع الناس بالصدق، حتى أنّ النضر بن الحارث وهو أشدّ الناس عداوةً لرسول الله؛ قال لسادة قريش ذات مرة: "يا معشر قريشٍ، إنّه والله قد نزل بكم أمرٌ ما أَتَيْتُم له بحيلة بعد، قد كان محمد فيكم غلاماً حدثاً، أرضاكم فيكم، وأصدقكم حديثاً، وأعظمكم أمانةً، حتى إذا رأيتم في صُدْغَيْهِ الشيب وجاءكم بما جاءكم به، قلتم: ساحر، لا والله ما هو بساحر؛ لقد رأينا السحرة ونَفْثَهُم وعقدهم، وقلتم: كاهن، لا والله ما هو بكاهن؛ قد رأينا الكهنة وتَخَالجُهم، وسمعنا سجعهم، وقلتم: شاعر، لا والله ما هو بشاعر؛ قد رأينا الشعر، وسمعنا أصنافه كلّها؛ هزجه ورجزه، وقلتم: مجنون، لا والله ما هو بمجنون، فانظروا في شأنكم فإنّه والله لقد نزل بكم أمرٌ عظيمٌ"، فكان عليه الصلاة والسلام صادقاً مع نفسه، وأهله، وأصحابه، حتى مع أعدائه، فلم يتحدّث بأي كذبة قط.^[٤]

الرحمة

اتصف النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بالرحمة، وقد ظهر ذلك جليّاً منذ اللحظة الأولى في الإسلام، فكان رحيماً بأمته ألا يدخلوا النار معذّبين، فقال -عليه الصلاة والسلام-: (ألَا وإنِّي آخِذٌ بحُجَزِكم أن تهافَتوا في النَّارِ كتَهافُتِ الفَراشِ أو الذُّبابِ)،^[٥] كما كان -عليه الصلاة والسلام- رحيماً بالفقراء، حيث ضحّى يوم عيد الأضحى عن نفسه وعن من لم يضحِّ من أمته، ومن مظاهر رحمته أيضاً سؤاله -عليه الصلاة والسلام- لله -عزّ وجلّ- التخفيف في الصلاة حتى وصلت إلى خمس صلوات في اليوم والليلة، وذلك بعد أن كانت خمسين صلاة؛ رحمة في أمته، وقد شهد الله تعالى لنبيه بصفة الرحمة، فقال في كتابه: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ).^[٦][٧]

التواضع

عُرِف رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بتواضعه الكبير، فلم يكن لرفعة منزلته وعلو مكانته أيّ تأثير على تواضعه -عليه الصلاة والسلام-، حيث كان أبعد الناس عن الكبر والبطر، فقد كان -صلّى الله عليه وسلّم- يخفض جناحه لأصحابه -رضي الله عنهم أجمعين-، ويجلس بينهم كأنّه واحد منهم، حتى كان يأتي من يسأل عن رسول الله فلا يستطيع تمييزه من بينهم، حتى يسأل عنه فيتعرّف عليه، وقد شهدت عائشة -رضي الله عنه- على تواضعه عندما سُلئت عن فعل رسول الله في بيته، فأجابت أنّه كان في خدمة أهله؛ حتى إذا دخل وقت الصلاة خرج لها، ومن مظاهر تواضعه أيضاً أنه كان يقضي حاجته بنفسه، بل يقضي حاجات الناس أيضاً.^[٨]

الحياء

كان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من أشدّ الناس حياءً، حتى وصفه أبو سعيد الخدري فقال: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ في خِدْرِهَا)،^[٩] ومن المواقف التي ظهر فيها حياء رسول الله جليّاً؛ عندما سألته إحداهن عن كيفية التطهّر من الحيض، فأجابها -عليه الصلاة والسلام- أن تأخذ قطعة من القماش، وتتبع بها أثر الدم، فلم تفهم عليه المرأة، فأعادت عليه السؤال مرةً أخرى، فأعاد عليها الإجابة ذاتها، فلم تعِ منه قوله، فأعادت السؤال للمرة الثالثة، فاستحيا منها -عليه الصلاة والسلام- وأعرض عنها، وكانت عائشة -رضي الله عنها- شاهدةً في الموقف، فاقتربت من المرأة وأجابت على سؤالها حتى فهمت.^[١٠]

الصبر

وهي من أكثر الصفات التي كانت ملازمة للنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، فكان الصبر ملازماً له في دعوته للإسلام من اللحظة الأولى إلى وفاته، فقد صبر على مشركي مكة، والمافقين واليهود، وتحمّل كل ما تعرّض له من قِبلهم، من جميع أنواع الأذى والظلم والتعذيب، كما أنّه صبر على وفاة أحبابه من جدّه، وعمّه، وأحب زوجاته، وأبنائه -عليه الصلاة والسلام-، فيُذكر أنّه -عليه الصلاة والسلام- قال عند وفاة ابنه إبراهيم: (إنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، والقَلْبَ يَحْزَنُ، ولَا نَقُولُ إلَّا ما يَرْضَى رَبُّنَا، وإنَّا بفِرَاقِكَ يا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ)،^[١١] وقد كان -عليه الصلاة والسلام- دائم التذكير لأصحابه في أهمية الصبر، فقد جاءه خباب بن الأرت يوماً يشكو له الظلم والقهر، فقال له -عليه الصلاة والسلام-: (كانَ الرَّجُلُ فِيمَن قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ له في الأرْضِ، فيُجْعَلُ فِيهِ، فيُجَاءُ بالمِنْشَارِ فيُوضَعُ علَى رَأْسِهِ فيُشَقُّ باثْنَتَيْنِ، وما يَصُدُّهُ ذلكَ عن دِينِهِ، ويُمْشَطُ بأَمْشَاطِ الحَدِيدِ ما دُونَ لَحْمِهِ مِن عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وما يَصُدُّهُ ذلكَ عن دِينِهِ، واللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هذا الأمْرَ، حتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِن صَنْعَاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ، لا يَخَافُ إلَّا اللَّهَ، أَوِ الذِّئْبَ علَى غَنَمِهِ، ولَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ).^[١٢][١٣]

• كان عليه الصلاة والسلام أجود الناس؛ كريماً سخياً، يعطي دون أن يخشى الفقر.
• كان عليه الصلاة والسلام حليماً؛ يعفو ويصفح عن كل من يسيء إليه، لا يحتقر أحداً، ولا يقابل السيئة بالسيئة.
• كان عليه الصلاة والسلام أعدل الناس، لا يأكل حق أحد، يحكم بشرع الله، ويقيم حدوده، ولو كان على أقرب الناس إليه.
• كان عليه الصلاة والسلام شجاعاً، لا يخشى أحد، ثابتاً على موقفه، يتصدى المواقف الصعبة، ويشارك في الغزوات، ويواجه أعداءه وخصومه بكل قوة وثبات.
• كان عليه الصلاة والسلام متعاوناً، يساعد الآخرين، ويحب تقديم النفع لغيره.