عائشة بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- صحابيَّةٌ جليلةٌ، وهي إحدى أمهات المؤمنين، تزوّجها النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قبل الهجرة بسنتين أو ثلاثةٍ، وقد أراه الله -تعالى- لعائشة -رضي الله عنها- في منامه؛ فخطبها النبيّ وتزوّج بها، ولم يرزقها الله -تعالى- بأولادٍ؛ إلا أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- كنّاها بأمّ عبد الله،[١] وكانت -رضي الله عنها- شخصيَّةً فريدةً، جمعت من الصفات والخصال الحميدة ما جعلها مثلًا نسائيًّا وإنسانيًّا يُحتذى ويُقتدى به، وفيما يأتي ذكرٌ لصفات عائشة الخَلقيَّة، وبيانٌ لأبرز صفاتها الخُلقيَّة وسماتها الشخصيَّة.
صفات السيدة عائشة الخَلقية
تذكر الروايات وكتب السِّير أنّ عائشة -رضي الله عنها- كانت امرأةً ذات جمالٍ، وبشرتها بيضاء مشوبةٌ بحمرةٍ؛ أي يختلط بياض بشرتها بحمرةٍ؛ لذا كان النبيّ -عليه الصلاة والسلام- يلقِّبها ويناديها بحميراء، وكانت -رضي الله عنها- طويلةً، ونحيفةً في شبابها، ثمّ امتلأ جسمها -رضي الله عنها- بعد زمنٍ، وفي ذلك روت -رضي الله عنها- عن حادثةٍ حين كانت في سفرٍ مع النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، فقالت: (فسابقتُهُ فسبقتُهُ على رجليَّ، فلمَّا حَملتُ اللَّحمَ سابقتُهُ فسبقَني فقالَ: هذِهِ بتلكَ السَّبقةِ).[٢][٣]
صفات السيدة عائشة الخُلقية
كانت عائشة -رضي الله عنها- من أكمل النساء خُلقًا؛ فقد تربّت باكرًا في بيت النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، ونهلت بين يديه من الآداب والعلم الكثير، وفيما يأتي ذكرٌ لأبرز الصفات الخُلقيَّة التي ميّزت عائشة -رضي الله عنها-.
الكرم والسخاء
كانت أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- معروفةً بكرمها وسخائها؛ فكانت كثيرة البذل والعطاء، وأوردت كتب السِّير رواياتٍ عدَّةٍ تشهد بكرمها وسخائها، ومن ذلك ما روته عنها أمّ درَّة من أنّها أتت إلى عائشة -رضي الله عنها بمال كثيرٍ؛ ففرّقته ووزعته على الناس، وكانت صائمةً يومها، ولم تترك لها شيئًا، حتّى قالت لها أم درّة: "أما استطعت فيما أنفقت أن تشتري بدرهم لحمًا تفطرين عليه؟!"، فأجابتها عائشة -رضي الله عنها- أنّها نسيت، ولم تذكر أن تبقي لنفسها شيئًا.[٤]
الورع
عُرفت أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- بشدة ورعها؛ فرغم كثرة ما روي عنها من رواياتٍ، ونُقل عنها من أخبارٍ، لم يرد أنّها أساءت لأحدٍ أو آذته، ومن ورعها -رضي الله عنها- أنّها لم تذكر ضرائرها -زوجات النبيّ الأُخريات- بسوءٍ، بل كانت تذكر مناقبهنّ وتتحدّث عنها برحابة صدرٍ.[٥]
الإباء والأنفة
كانت أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عزيزة النفس، معروفةً بإبائها، وممّا يشهد لها بذلك؛ ردّ فعلها بعد أن أظهر الله -تعالى- براءتها في حادثة الإفك، حيث قدم النبيّ -عليه الصلاة والسلام- إليها وهي في بيت والدها، وأخبرها بأنّ الله -تعالى- أنزل براءتها، فحثّتها أمّها أن تقول إلى النبيّ -عليه الصلاة والسلام- وتكلِّمه؛ فأبت عائشة -رضي الله عنها- وقالت: (لا واللَّهِ، لا أقُومُ إلَيْهِ، ولَا أحْمَدُ إلَّا اللَّهَ)،[٦]ومن أنفتها -رضي الله عنها- أنّها كانت إذا غضبت من النبيّ -عليه الصلاة والسلام- لا تحلف بقول: "وربّ محمّد"، بل تقول: "وربّ إبراهيم".[٥]
غزارة العلم
كانت عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- بحرًا من العلم، ينهل الصحابة -رضي الله عنهم- منه؛ حيث كانوا يأتون إليها ويسألونها عن أحاديث للنبيّ -عليه الصلاة والسلام-، ويستفتونها في الفرائض -أي المواريث- وغيرها، وكانت -رضي الله عنها- ذات علمٍ واسعٍ في الأنساب، والشعر، وغيرها من المعارف.[٤]
خُلق عائشة مع النبي
كانت عائشة -رضي الله عنها- للنبيّ -عليه الصلاة والسلام- نِعم الزوجة، طاعةً له، ملبِّيةً لحاجاته، وكانت -رضي الله عنها- تُكرم آل بيته، وتوقّر أصحابه -رضي الله عنهم-،[٥] وقد أحبّها النبيّ -عليه الصلاة والسلام- محبَةً شديدةً؛ فكان يأنس بحديثها، ويستمع لها، وقد امتدحها النبيّ -عليه الصلاة والسلام- في قوله: (كَمَلَ مِنَ الرِّجالِ كَثِيرٌ، ولَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّساءِ إلَّا مَرْيَمُ بنْتُ عِمْرانَ، وآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وفَضْلُ عائِشَةَ علَى النِّساءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ علَى سائِرِ الطَّعامِ)،[٧] والثريد هو قطع الخبز التي يوضع عليها اللحم والمرق، وفي ذلك إشارةٌ إلى فضل عائشة على سائر النساء؛ بما أُعطيت من حسن خلقٍ، وفصاحةٍ، وجزالة علمٍ.[٨]
المراجع
- ↑ أبو الحسن بن الأثير، أسد الغابة في معرفة الصحابة، صفحة 186. بتصرّف.
- ↑ رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:2578، صححه الألباني.
- ↑ ياسين الخليفة الطيب المحجوب، إجلاء الحقيقة في سيرة عائشة الصديقة، صفحة 53. بتصرّف.
- ^ أ ب "أم المؤمنين عائشة زوجة الرسول"، قصة الإسلام، 1/5/2006، اطّلع عليه بتاريخ 13/9/2022. بتصرّف.
- ^ أ ب ت سليمان الندوي، سيرة السيدة عائشة أم المؤمنين، صفحة 210-220. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:2661، حديث صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم:3769 ، حديث صحيح.
- ↑ "شرح حديث: كمل من الرجال كثيرٌ"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 13/9/2022. بتصرّف.