كانت معجزة الإسراء والمعراج من أجلّ المنح والعطايا التي أكرم الله -تعالى- بها نبيّه -عليه الصلاة والسلام-؛ لِما له من منزلةٍ ومكانةٍ عند ربّه، فجاءت حادثة الإسراء والمعراج تكريماً وتثبيتاً لعزيمته بعد أن لقيَ أنواعاً من الأذى من أهل الطائف بعد هجرته إليهم لدعوتهم إلى توحيد الله، فأراد الله -سبحانه- أن يعوّض رسوله الكريم عمّا لَحِقه من أذى وعمّا أصابه من ألمٍ وحزنٍ، ولتكون تلك الرحلة دليلاً على أنّ الله -عزّ وجلّ- لم يتخلَ عن رسوله.[١]
تعريف الإسراء والمعراج
يُقصد بالإسراء الرحلة التي خصّ الله -تعالى- بها نبيّه -عليه الصلاة والسلام- من المسجد الحرام في مكّة المكرّمة إلى المسجد الأقصى المبارك، أمّا المعراج فهو ما تبع ذلك من الصعود من بيت المقدس إلى طبقات السماء العليا، والوصول إلى مكانٍ انقطعت فيه علوم الخلائق من الملائكة والإنس والجنّ، وقد بيّن الله -عزّ وجلّ- تلك المعجزة في كتابه العزيز بقوله: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)،[٢][٣] قال العلّامة ابن القيّم -رحمه الله-: (أُسري برسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بجسده على الصحيح، من المسجد الحرام إلى بيت المقدس، راكباً على البراق، بصُحبة جبريل -عليهما الصلاة والسلام-، فنزل هناك، وصلّى بالأنبياء إماماً، وربط البراق بحلقة باب المسجد)،[٤] وتجدر الإشارة إلى أنّ رحلة الإسراء والمعراج تمّت بجسد الرسول ورُوحه في ليلةٍ واحدةٍ.[٥]
أبرز أحداث الإسراء والمعراج
تعددت أحداث ومواقف معجزة الإسراء والمعراج العظيمة، ولعلّ أبرز ما وقع فيها من أحداث:
فرض الصلوات الخمس
فُرضت الصلوات الخمس في رحلة الإسراء والمعراج، فقد أوحى بها الله -عزّ وجلّ- لنبيّه الكريم وهو في سدرة المنتهى وهي آخر ما يُعرج به من الأرض، وقد أُعطي -عليه الصلاة والسلام- فيها ثلاثاً: الصلوات الخمس، وخواتم سورة البقرة، وغُفر لمَن لم يُشرك بالله من أمته.[٦]
حادثة شق الصدر
فقد شُقّ صدر النبيّ -عليه الصلاة والسلام- مرةً ثانيةً قبل رحلة الإسراء والمعراج، فنزل ملكّان بصورة رجُلَين فأخرجا قلبه وغسّلاه بماء زمزم، وشُقّ صدره في المرة الأولى وهو صغيرٌ رضيعٌ عند حليمة السعدية.[٧]
تخيير النبي بين اللبن والخمر
عَرض جبريل -عليه الصلاة والسلام- اللبن والخمر على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، فاختار اللبن، فقال جبريل -عليه السلام-: (هديت الفِطرة أو أصبت الفِطرة، أما إنّك لو أخذت الخمر غوت أمتك).[٨]
وصف النبي لبيت المقدس
أخذ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- يحدّث الناس بما رأى في صبيحة اليوم التالي لليلة الإسراء والمعراج، فما كان من كفّار قريش إلّا الضحك والاستهزاء ممّا يقول، فتحدّاه بعضهم بوصف بيت المقدس، فجلّى له الله -عزّ وجلّ- صورته بين عينيه وبدأ يصفه لهم وصفاً دقيقاً كما يسألون.[٨]
ما رآه النبي في رحلة الإسراء والمعراج
رأى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- الكثير من المشاهد في رحلة الإسراء والمعراج، يُذكر منها:
البيت المعمور
رأى الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- البيت المعمور ليلة الإسراء والمعراج، كما ثبت في الصحيح عن مالك بن صعصعة الأنصاري -رضي الله عنه- عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (رُفِعَ لي البَيْتُ المَعْمُورُ، فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ، فَقالَ: هذا البَيْتُ المَعْمُورُ يُصَلِّي فيه كُلَّ يَومٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ، إذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إلَيْهِ آخِرَ ما عليهم)،[٩][١٠] والبيت المعمور هو بيتٌ عظيمٌ يقع في السماء السابعة بالتوازي مع الكعبة المشرّفة.[١١]
سدرة المنتهى
وهي شجرةٌ عظيمةٌ تقع في السماء السابعة، ورد وصفها في الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاريّ عن مالك بن صعصعة الأنصاريّ عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (رُفِعَتْ لي سِدْرَةُ المُنْتَهَى، فَإِذَا نَبِقُهَا كَأنَّهُ قِلَالُ هَجَرَ ووَرَقُهَا، كَأنَّهُ آذَانُ الفُيُولِ).[٩][١٠][١٢]
بعض أنهار الجنة
رأى النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أربعة أنهار من الجنة؛ نهران ظاهران ونهران باطنان؛ والظاهران هما: النيل والفرات؛ ممّا يدلّ على أنّ رسالته -عليه الصلاة والسلام- ستتوطن في بلاد النيل والفرات وسيحملها أهلهما جيلاً بعد جيلٍ، قال -عليه الصلاة والسلام-: (أرْبَعَةُ أنْهَارٍ نَهْرَانِ بَاطِنَانِ، ونَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ، فَقالَ: أمَّا البَاطِنَانِ: فَفِي الجَنَّةِ، وأَمَّا الظَّاهِرَانِ: النِّيلُ والفُرَاتُ).[٩][١٠]
نهر الكوثر
وهو نهرٌ خصّه الله -تعالى- لنبيّه -صلّى الله عليه وسلّم-؛ إكراماً له، فقد أخرج الإمام البخاريّ في صحيحه عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم: (بيْنَما أنا أسِيرُ في الجَنَّةِ، إذا أنا بنَهَرٍ، حافَتاهُ قِبابُ الدُّرِّ المُجَوَّفِ، قُلتُ: ما هذا يا جِبْرِيلُ؟ قالَ: هذا الكَوْثَرُ، الذي أعْطاكَ رَبُّكَ).[١٣][١٤]
المراجع
- ↑ صالح المغامسي، لطائف المعارف، صفحة 2. بتصرّف.
- ↑ سورة الإسراء، آية:1
- ↑ محمد رمضان البوطي، فقه السيرة النبوية، صفحة 160. بتصرّف.
- ↑ صفي الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم مع زيادات، صفحة 86.
- ↑ سعيد حوَّى، الأساس في السنة وفقهها، صفحة 294. بتصرّف.
- ↑ سعيد حوَّى، الأساس في السنة وفقهها، صفحة 299. بتصرّف.
- ↑ عطية سالم، دروس الهجرة، صفحة 4. بتصرّف.
- ^ أ ب صفي الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم مع زيادات، صفحة 88-86. بتصرّف.
- ^ أ ب ت رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن مالك بن صعصعة الأنصاري، الصفحة أو الرقم:3207، صحيح.
- ^ أ ب ت صفي الدين المباركفوري، الرحيق المختوم مع زيادات، صفحة 86-88. بتصرّف.
- ↑ "معنى وموضع البيت المعمور"، ابن باز، اطّلع عليه بتاريخ 9/9/2021. بتصرّف.
- ↑ سهام عبيد (2014/3/31)، "شجرة سدرة المُنتهى"، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 9/9/2021. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:6581، صحيح.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، التعريف بالإسلام، صفحة 205. بتصرّف.