الوحي في سياق الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، يعني كل ما أخبره الله -سبحانه وتعالى- بطرق متنوعة وغير مباشرة، وذلك أن الله -سبحانه وتعالى- يقول في محكم تنزيله: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) [الشورى: آية 51] ، وقد اتخذ الوحي أشكالاً عدة، وذلك قبل البعثة وبعدها، ولتوضيح كيف نزل الوحي على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، لا بد في البداية ذكر أنواع الوحي التي أوحي بها. خلال هذا المقال سوف نستعرض في البداية أنواع الوحي، ثم نذكر كيف نزل الوحي على سيدنا محمد أول مرة في غار حراء.[١][٢]
كيف كانت صور نزول الوحي على سيدنا محمد؟
فيما يلي ذكر لصور الوحي كما ورد في السنة النبوية الصحيحة:[٣]
كلام الله المباشر من وراء حجاب
حدث ذلك للرسول الكريم في حالتين؛ وهي ليلة المعراج، حين فرض الله تعالى الصلاة على أمة سيدنا محمد، وذلك استنادًا لحديث المعراج (رابط الحديث) الوارد في صحيح البخاري، والحالة الثانية هو أن يكلمه الله تعالى في المنام، وقد ورد في ذلك حديث (أتاني ربِّي في أحسَنِ صورةٍ فقالَ: يا محمَّدُ، فقلتُ: لبَّيكَ ربِّ وسعديكَ قالَ: فيمَ يختَصمُ الملأُ الأعلى؟ قلتُ: ربِّ لا أَدري....)[٤]
النفث في الرَّوع
وهو أن يلقي الله في بال النبي صلى الله عليه وسلم، أو في نفسه، أو في ذهنه، أو في قلبه الأمر، دون أن يسمعه أو يراه، وقد ذكر ذلك في حديث (إنَّ رُوحَ القُدُسِ نفَثَ في رُوعي أنَّه لن تَموتَ نَفْسٌ حتى تَستَكمِلَ رِزقَها....)[٥]
الرؤيا الصادقة
وهو أن يرى الرسول صلى الله عليه وسلم الأمر في منامه، وجاء ذلك في حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (أوَّلُ ما بُدِئَ به رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيا الصَّالِحَةُ في النَّوْمِ....)[٦]
جبريل عليه السلام
جاء جبريل -عليه السلام- في عدة صور إلى رسول الله، فكان إما أن يأتيه بصورة رجل، أو أن يأتيه كصلصلة الجرس، أي كصوت حركة الحديد، وكان يعي ما قاله بعد أن يذهب عنه، أما الحالة الثالثة، فأن يراه صلى الله عليه وسلم على هيئته التي خلق عليها، وفي ذلك الأحاديث التالية:
(أنَّ الحارِثَ بنَ هِشامٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه سَأَلَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، كيفَ يَأْتِيكَ الوَحْيُ؟ فقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أحْيانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الجَرَسِ، وهو أشَدُّهُ عَلَيَّ، فيُفْصَمُ عَنِّي وقدْ وعَيْتُ عنْه ما قالَ، وأَحْيانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ المَلَكُ رَجُلًا فيُكَلِّمُنِي فأعِي ما يقولُ)[٧]
(..... إنَّما هو جِبْرِيلُ، لَمْ أرَهُ علَى صُورَتِهِ الَّتي خُلِقَ عليها غيرَ هاتَيْنِ المَرَّتَيْنِ، رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السَّماءِ سادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ ما بيْنَ السَّماءِ إلى الأرْضِ،....)[٨]
كيف كان أول نزول الوحي على سيدنا محمد؟
إن كان يقصد بالوحي هو أول ما كان يأتيه من علامات والنبوة قبل أن يبعث رسولًا، فهي كانت الرؤية الصادقة، إذ كان صلى الله عليه وسلم لا يرى شيئا في منامه إلا أن يتحقق كما رآه، وذلك استنادًا إلى حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (أوَّلُ ما ابتُدِيَ بِهِ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ منَ النُّبوَّةِ حينَ أرادَ اللَّهُ كرامتَهُ ورحمةَ العبادِ بِهِ أن لا يرى شيئًا إلَّا جاءَت كفلَقِ الصُّبحِ، فمَكثَ على ذلِكَ ما شاءَ اللَّهُ أن يمْكُثَ، وحُبِّبَ إليْهِ الخلوةُ فلم يَكن شيءٌ أحبَّ إليْهِ من أن يخلوَ)[٩]
أما إن كان المقصود بالوحي هو أول نزول للقرآن الكريم عن طريق جبريل -عليه السلام- وأول تبليغ الرسالة، فإن هناك حديثاً عن أم المؤمنين عائشة (رابط الحديث) مفاده أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان في غار حراء معتكف، وإذا بجبريل يدخل عليه، وفي نص الحديث (فجاءه الملك) ولم تذكر صورته، يقول بعض العلماء أنه جاء بصورة ملك، ولكن ليست صورته التي خلق عليها، ويقول البعض أنه جاء بصورة رجل، فقال جبريل للنبي اقرأ، فقال النبي ما أنا بقارئ، فضمه جبريل بشدة، وكرّرها ثلاثًا ثم تلا جبريل {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} حتَّى بَلَغَ {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1 - 5].[١٠]
المراجع
- ↑ إلى علوم القرآن الكريم/كيفية نزول الوحي:/i783&d1107454&c&p1 ".معاني الوحي في القرآن:"، نداء الإيمان، اطّلع عليه بتاريخ 25/10/2023. بتصرّف.
- ↑ "أنواع الوحي وصوره ، وأثرها على النبي ، ورد على ادعاء إصابته بالصرع"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 25/10/2023. بتصرّف.
- ↑ "أنواع الوحي وصوره ، وأثرها على النبي ، ورد على ادعاء إصابته بالصرع"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 25/10/2023. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:3234، صحيح.
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج زاد المعاد، عن لم يذكر، الصفحة أو الرقم:1/77، صحيح بشواهده.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:3، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:2، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:177، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:3632، حسن صحيح.
- ↑ "شروح الاحاديث"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 25/10/2023. بتصرّف.