بدأ نزولُ القُرآن الكريم على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعد بعثتِه في سنّ الأربعين، بحيثُ دامَ نزولُه عليه بواسطةِ الوحي جبريل عليه السّلام إلى حدّ اكتمالِه، حتّى موعد وفاته صلّى الله عليه وسلّم، وهذه المدّة تُقدّر بثلاثةٍ وعشرين عاماً،[١] وكان نزولُه مُنجماً (مُفرقاً) حسبَ ما يجري من أحداث، وهذا ما أشار إليه القُرآن الكريم، فقال تعالى: (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا)،[٢] وقد جاءت إشارة القُرآن الكريم كذلِك إلى أنّه قد نزلَ جُملةً واحدةً (مرّة واحدةً)، فقال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ).[٣][٤]


كيفيّة نزولِ الوحي على الأنبياء

تعددت صور نزولُ الوحي على الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامُه، وقد جُمِعت في قولِه تعالى: (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ)،[٥] فالآية الكريمة تنفي تماماً تكليمَ الله سبحانه للبشرِ بطريقةٍ مباشرةٍ، وهذا هو الطّبيعيّ؛ وذلِك لأنّ التّكلم بشكل مباشِرٍ لا يمكن؛ فالنفس البشريّة محدودة، ولا يمكنُها تلقي الكلام إلا عن طريق الحواس؛ في حين أنّ كلام الله تعالى أعلى وأجلّ من أن يكون تلقّيه بالحواس البشريّة،[٦] وفيما يلي بيان صور نزول الوحي على الأنبياء كما بَيَّنَهَا القرآن الكريم.


الوحي المُباشِر

وهو خاصّ بالأنبياء دونَ غيرهم؛ إذ هو أمر خارجٌ عن النّفس البشريّة، بحيث تتلقّاه وتكون على معرفةٍ بمصدره من غير التباسٍ عليها، وهو يختلف عن الإلهام الفطري، إذ الإلهام يكون نابعاً من الذّات البشريّة، وفيه الخطأ والصّواب من الإنسان وفيه كذلِك الخير والشرّ؛ وأحياناً يكون وساوس شيطانيّة، وهذا بخلاف الوحي المُباشِر؛ فهو نفثٌ في الرّوع يُلقى فيه المعنى المُراد في قلبِ الموحى إليه وهو النبي صلى الله عليه وسلم.[٧]


الكلامُ من وراءِ الحجاب

وهو ما ورد في القُرآن الكريم في قصة موسى عليه السّلام، لمّا أوحى الله إليه من وراء حجاب، والآيات التّالية تبيّن أنّ الوحي كانَ عبارةً عن كلامٍ سمعه موسى من وراء حجابٍ؛ فقال تعالى: (فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ* فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ * وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ).[٨][٩]


الوحي بواسطةِ الرّسول

والمقصود بالرّسول هو المَلك جبريل عليه السّلام؛ قال تعالى: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ)،[١٠] فالروح الأمين هو جبريل عليه السلام.[١١]


كيفية نزول الوحي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم

وضَّحتِ السُّنة النبوية المُطهرةُ كيفية نزولِ الوحي على النبيّ محمد صلّى الله عليه وسلّم؛ فقد نزل بصورٍ وحالاتٍ متعددة، منها:[٦]

  • الرّؤيا الصّالحة في النّوم: وقد تكون الرّؤيا من مقدّمات الوحي، وليست هي الوحي؛ فعن عائشة رضي الله عنها ما ورد: (كانَ أوَّلُ ما بُدِئَ به رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيا الصَّادِقَةَ في النَّوْمِ، فَكانَ لا يَرَى رُؤْيا إلَّا جاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إلَيْهِ الخَلاءُ).[١٢]
  • إتيان المَلك كصلصة الجرس: ومعنى صلصلة الجرس أي صوته العظيم الذي يُصدِّعُ الرؤوس، وكانت هذه الحالة هي أشدّ حالات نزول الوحي وأصعبها على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، حيث قال: (أَحْيَانًا يَأْتِينِي في مِثْلِ صَلْصَلَةِ الجَرَسِ، وَهو أَشَدُّهُ عَلَيَّ، ثُمَّ يَفْصِمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُهُ).[١٣]
  • النّفث في الرّوع كلاماً: ومعنى النفث في الروع أي إلقاء المعنى في القلب، وهذه الحالة قد ترجع لكلا الحالَتين السّابقَتين؛ أن يأتيه في المنام أو كصلصة الجرس فينفث الكلام في روعِه نفثاً.
  • إتيان المَلك على صورة رجل يُكلّمه: فقد نزل جبريل على هيئة رجل وكَلَّم النبي -صلى الله عليه وسلم، جاء في الحديث: (وَأَحْيَانًا مَلَكٌ في مِثْلِ صُورَةِ الرَّجُلِ، فأعِي ما يقولُ).[١٣]

المراجع

  1. "المدة التي استغرقها نزول القرآن الكريم"، إسلام ويب، 19/4/2007، اطّلع عليه بتاريخ 19/12/2021. بتصرّف.
  2. سورة الإسراء، آية:106
  3. سورة القدر، آية:1
  4. فهد الرومي، دراسات في علوم القرآن، صفحة 192. بتصرّف.
  5. سورة الشورى، آية:51
  6. ^ أ ب محمد فاروق النبهان، المدخل إلى علوم القرآن الكريم، صفحة 36-38. بتصرّف.
  7. محمد فاروق النبهان، المدخل إلى علوم القرآن الكريم، صفحة 36. بتصرّف.
  8. سورة القصص، آية:29-31
  9. محمد فاروق النبهان، المدخل إلى علوم القرآن الكريم، صفحة 36. بتصرّف.
  10. سورة الشعراء، آية:193-194
  11. محمد فاروق النبهان، المدخل إلى علوم القرآن الكريم، صفحة 36. بتصرّف.
  12. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:160، صحيح.
  13. ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:2333، حديث صحيح.