رحلة النبي إلى الطائف

خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد عام الحزن؛ الذي توفي فيه عمّه أبو طالب وزوجته خديجة -رضي الله عنها- إلى الطائف في السنة العاشرة للبعثة، في شهر شوال، ومعه مولاه زيد بن حارثة -رضي الله عنه-، وذلك لدعوة الناس إلى الإسلام خارج مكة المكرمة بعدما كذّبه قومه وأخرجوه؛ فلمّا انتهى إلى ثقيف دعا رؤساء القوم، فما كان منهم إلا الإعراض والتّسفيه بدعوته -صلى الله عليه وسلم-، وبقي النّبي الكريم يحاول مع أهل الطائف طوال إقامته فيها -فقد بقي فيها عشرة أيام-، ولكن ما كان منهم إلا الصدود والكفر.[١]


بل بلغ بهم الأمر أنْ أغروا سفائهم وصبيانهم ومواليهم؛ فلحقوا به -صلى الله عليه وسلم- يرمونه بالحجارة، ويخرجوه من أرضهم حتى تلوّنتْ نعاله الشريفة بالدّماء، وقد كان زيد بن حارثة يقيه بنفسه ويتحمّل عنه الأذى والحجارة، وبذلك خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- من الطائف حزيناً متعباً، مثقلاً بصنوف الأذى النّفسي والجسدي، فأنزل الله -تعالى- عليه ملك الجبال، وقال له: (يا مُحَمَّدُ؛ إنْ شِئْتَ أنْ أُطْبِقَ عليهمُ الأخْشَبَيْنِ)،[٢] فردّ عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- الرحمة المهداة: (بَلْ أرْجُو أنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِن أصْلابِهِمْ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ وحْدَهُ لا يُشْرِكُ به شيئًا).[٢][١]


نتائج رحلة الطائف

رغم ما لاقاه النبي الكريم في رحلة الطائف؛ إلا أنّ هذه الرّحلة انطوتْ على كثير من العطايا الإلهية والمِنح الرّبانية؛ إكراماً لجهاده وصبره، وتسليةً له عن هذه الأذيّة التي لحقتْ به، ومن أهم النتائج التي ترتّبت على هذه الرحلة:


إسلام عدّاس رضي الله عنه

حيث كان عدّاس فتاً نصرانياً يعمل لدى عتبة وعتيبة ابنا ربيعة؛ ابتعثاه إلى النبي لمّا خرج -صلى الله عليه وسلم- والدماء تسيل من قدميه، وقد استند إلى سور البستان، فأتاه عدّاس بشيء من الفاكهة تهويناً على النبي وإشفاقاً بحاله؛ فلمّا أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّ يأكل سمّى باسم الله -تعالى-، الأمر الذي لفت هذا الفتى، ثم بادره النبي -صلى الله عليه وسلم- بالسؤال عن دينه، فأخبره أنّه نصرانيّ من أهل نينوى، فتدارك النبي ذلك وأخبره بأنّها أرض يونس بن متّى، فسأله عدّاس عن معرفته بهذا الأمر؛ فقال له النبي أنّ يونس -عليه السلام- نبيّ من أنبياء الله، وهو كذلك نبيّ من الله -تعالى-، فانكبّ عدّاس يقبل النبي وقد أسلم.[٣]


إسلام الجنّ

لمّا عاد النبي -صلى الله عليه وسلم- من الطائف إلى مكة المكرمة؛ نزل في وادٍ يسمّى "نخلة"، وقد قام فيه يصلي، فمرّ به نفر من الجنّ من أهل نصيبين وكانوا سبعة؛ فأخذوا يستمعون إلى تلاوة النبي -صلى الله عليه وسلم- لآيات القرآن الكريم، فأسلموا وولّوا إلى قومهم منذرين؛ وفي هذا قال -تعالى-: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا* يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا)،[٤] وبعد هذا اللقاء كان هنالك قدوم لوفد ثانٍ من الجنّ متشوقين لرؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- مؤمنين به.[٥]


إجارة المطعم بن عدي

لمّا أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- الدخول إلى مكة المكرمة ومعه زيد بن حارثة -رضي الله عنه-؛ ليعود إلى دعوته، ويُجدد عزمه بعد كلّ هذا الرفض الذي لقيه في الطائف؛ ذهب إلى القبائل ليجيروه من قريش، وقد طلب ذلك من عدّة حلفاء لقريش لكنّهم امتنعوا؛ حتى وصل إلى المطعم بن عدي -وقد كان من بني خزاعة- فأجاره، وذهب إلى قومه وأمرهم بحمل السلاح، ثم دخل مكة ومعه النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأخذ ينادي وهو على راحلته: "يا معشر قريش إنّي قد أجرت محمدًا فلا يهْجُه أحد منكم"، ثم دخل النبي إلى البيت الحرام، واستلم الركن وطاف بالبيت، والمطعم بن عدي وقومه محيطين به، حتى فرغ النبي وعاد إلى بيته.[٦]


رحلة الإسراء والمعراج

أكرم الله النبي -صلى الله عليه وسلم- برحلة الإسراء والمعراج بعد ما لقيه من رحلته إلى الطائف؛ فجاءه جبريل -عليه السلام- وغسّله بماء زمزم، وأفرغ في صدره الإيمان والحكمة؛ وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم أنّه قال: (فُرِجَ سَقْفُ بَيْتي وأَنَا بمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ بمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بطَسْتٍ مِن ذَهَبٍ، مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وإيمَانًا، فأفْرَغَهَا في صَدْرِي، ثُمَّ أَطْبَقَهُ).[٧][٨]


ثمّ أسرى به إلى المسجد الأقصى وبعدها عرج به إلى السماوات؛ فرأى النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذه الرحلة ما يُخفف حزنه وهمّه، ويقويّه على الاستمرار بدعوته، قال -تعالى-: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).[٩][٨]


جبر المولى للنبي عليه السلام

كان عظيم المنّ والكرم من الله -سبحانه- يُصاحب النبي -صلى الله عليه وسلم- طيلة حياته، ولكنّه تجلّى بعد رحلة الطائف أشدّ تجلّي؛ وتحديداً في رحلة الإسراء والمعراج؛ التي سبقها مقاطعة بني هاشم، وموت عمّه الحامي والمجير له -صلى الله عليه وسلم- أبو طالب، وموت زوجته الصالحة المخلصة خديجة -رضي الله عنها-؛ فكانت هذه الرحلة مكافأةً للنبي وجبراً لكسره؛ فقرّبه المولى منه، وأراه من الآيات ما يُنزل على قلبه الرضا والطمأنينة؛ ومن خلال المقارنة بين رحلتي الطائف والإسراء تظهر الرحمات الربانية بما يأتي:[١٠]

  • ذهب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى بيت المقدس في الإسراء على دابّة البراق منقطعة الأوصاف والنظير، مقابل ذهابه إلى الطائف مشياً.
  • صحب النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذه الرحلة جبريل -عليه السلام-؛ فكان ذلك أُنساً له بعد وحشته -صلى الله عليه وسلم-، وبعد خروجه وحيداً مع مولاه زيد -رضي الله عنه- من الطائف.
  • استُضيف النبي -صلى الله عليه وسلم- في السماوات العُلا بعدما ضاقت به أرض الطائف.
  • آمن الأنبياء -عليهم السلام- وأقرّوا بنبوة النبي -صلى الله عليه وسلم-، بعدما لقي من تكذيب أهل الطائف ونكرانهم ما لقي.



مواضيع أخرى:

ماذا حدث ليلة الإسراء والمعراج؟

لماذا سمي عام الحزن بهذا الاسم؟

المراجع

  1. ^ أ ب صفي الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم مع زيادات، صفحة 73-75. بتصرّف.
  2. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:3231، صحيح.
  3. أحمد أحمد غلوش، السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي، صفحة 377-378. بتصرّف.
  4. سورة الجن، آية:1-2
  5. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة التاريخية الدرر السنية، صفحة 20، جزء 1. بتصرّف.
  6. سعيد بن وهف القحطاني، رحمة للعالمين، صفحة 226-227. بتصرّف.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم:3342، صحيح.
  8. ^ أ ب أكرم العمري، السيرة النبوية الصحيحة محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية، صفحة 188، جزء 1. بتصرّف.
  9. سورة الإسراء، آية:1
  10. خالد الراشد، دروس الشيخ خالد الراشد، صفحة 2، جزء 55. بتصرّف.