خطبة الوداع

ذكرت كتب السير أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قد حجّ حجّةً واحدةً، حيث فُرض الحجّ في السنة السادسة بعد الهجرة، وفي العام العاشر من الهجرة خرج رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ومجموعة من المسلمين لأداء فريضة الحجّ، وقد سُميّت هذه الحجّة بحجّة الوداع؛ فقد ودّع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- المسلمين فيها، فقال: (أيُّها النَّاسُ، اسمعوا قولي، فإنِّي لا أدري لعلِّي لا ألقاكم بعدَ عامي هذا، بِهذا الموقِفِ أبدًا)،[١] وقد وقع ما تنبأ به رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- حيث انتقل إلى الرفيق الأعلى بعد عودته إلى المدينة بفترةٍ قصيرة.[٢]


نص خطبة الوداع

تُعتبر خطبة الوداع من أهم النصوص الشرعية التي أرست قواعد الإسلام وحدوده، ورسمت معالمه الجميلة، وبيَّنت مبادئه العظيمة، وصاغت هوية الأمة المُسلمة وشخصيتها المُتَفَرِّدَةَ، التي تحفظ الحقوق وتحميها، وتصون النفوس وترعاها، وتعبد الله -تعالى- ولا تشرك به شيئاً،[٣] ومما يظهرُ من سياق الأحاديث الواردة في حجة الوداع؛ أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- خطب فيها ثلاث خُطب، الأولى في يوم عرفة، والثانية في يوم النحر، والثالثة في أوسط أيام التشريق، وقد تشابهت تلك الخطب الثلاث من حيث المضامين،[٤] وفيما يلي بيان أبرز تلك الخطب وأعظمها وأطولها وهي خطبة يوم عرفة.


خطبة يوم عرفة

وقف النبيُّ -صلّى الله عليه وسلّم- في عرفة خطيباً بجموع المسلمين، فألقى عليهم خطبةً عظيمة، وضّح فيها الحُرمات والحقوق، وبيَّن أهميتها، ووضع للمسلمين حدوداً وتشريعات وقواعد عامة، لا يجوز لهم أن يتجاوزوها مهما حدث، ومما جاء في هذه الخطبة من معانٍ عظيمة:[٥]

  • تحريم سفك الدماء وأخذ الأموال بغير حق بين المسلمين، والتأكيد على عِظَمِ هذه الحُرمة وشدَّتِها، وذلك في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ علَيْكُم، كَحُرْمَةِ يَومِكُمْ هذا في شَهْرِكُمْ هذا، في بَلَدِكُمْ هذا).[٦]
  • إلغاء شرائع الجاهلية وأعرافها وعاداتها الذميمة، وكل أمر من أمورها التي تخالف ما جاء به الإسلام، وذلك في قوله: (أَلَا كُلُّ شيءٍ مِن أَمْرِ الجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ).[٦]
  • إبطال وتحريم الأخذ بالثأر، حيث كان منتشراً بين القبائل في الجاهلية، وقد جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- نفسه قدوةً للمسلمين في التنازل عن ثأر ابن عمه، وذلك في قوله: (وَدِمَاءُ الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وإنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِن دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بنِ الحَارِثِ، كانَ مُسْتَرْضِعًا في بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ).[٦]
  • إبطال وتحريم الربا الذي كان معمولاً به في الجاهلية، وكذلك جعل النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- نفسه قدوةً في هذا الأمر أيضاً، حيث أبطل ربا عمِّه العباس، وذلك في قوله: (وَرِبَا الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بنِ عبدِ المُطَّلِبِ، فإنَّه مَوْضُوعٌ كُلُّهُ).[٦]
  • الوصية بالنساء وبيان وجوب إحسان معاملتهن، وتوضيح حقوقهن وواجباتهن، وذلك في قوله: (فَاتَّقُوا اللَّهَ في النِّسَاءِ، فإنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بكَلِمَةِ اللهِ، وَلَكُمْ عليهنَّ أَنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فإنْ فَعَلْنَ ذلكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غيرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ علَيْكُم رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بالمَعروفِ).[٦]
  • الوصية بوجوب التمسك والاعتصام بكتاب الله -تعالى-، والعمل بسُنَّةِ رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وذلك في قوله: (وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ ما لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إنِ اعْتَصَمْتُمْ به، كِتَابُ اللهِ، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَما أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ قالوا: نَشْهَدُ أنَّكَ قدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقالَ: بإصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، يَرْفَعُهَا إلى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إلى النَّاسِ اللَّهُمَّ، اشْهَدْ، اللَّهُمَّ، اشْهَدْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ).[٦]

المراجع

  1. رواه الألباني، في فقه السيرة، عن --، الصفحة أو الرقم: 454 ، جاء سندها في أحاديث متفرقة وقسم كبير منها رواه مسلم.
  2. "كم مرة حج الرسول صلى الله عليه وسلم؟"، إسلام اون لاين، اطّلع عليه بتاريخ 14/12/2021. بتصرّف.
  3. حسن أبو الأشبال الزهيري، فوائد من خطبة الوداع، صفحة 1. بتصرّف.
  4. ابراهيم بن محمد الحقيل (14/10/2013)، "خطب النبي صلي الله عليه وسلم في حجة الوداع"، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 14/12/2021. بتصرّف.
  5. ابراهيم بن محمد الحقيل (14/10/2013)، "خطب النبي صلي الله عليه وسلم في حجة الوداع"، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 14/12/2021. بتصرّف.
  6. ^ أ ب ت ث ج ح رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم:1218، حديث صحيح.