متى كانت خطبة حجة الوداع؟

كانت حجة الوداع في السنة العاشرة للهجرة، في موسم الحج، يوم عرفة بمكة المكرمة؛[١] بعدما طهرها الله -سبحانه- من الوثنية وعادات الجاهلية؛ واستنارت النفوس بنور الإيمان، وعندما قضى الله -تعالى- بدنو أجل النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-، فأذن له وداع أمته، وإقامة شعيرة الحج التي لم يكن للنبي -صلى الله عليه وسلم- القيام بها من قبل.[٢]


سبب تسميتها بهذا الاسم

سمّيت حجة الوداع بهذا الاسم لأنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- ودّع فيها الناس؛ بقوله: (لعلِّي لا ألقاكُمْ بعدَ عامي هذا)،[٣] كما سمّيت هذه الحجة باسمين آخرين؛ بيانهما على النحو الآتي:[٤]

  • حجة الإسلام؛ لأنّها الحجة الوحيدة التي أداها النبي -صلى الله عليه وسلم- فريضةً.
  • حجة البلاغ؛ لأنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بلغ بها الناس عدداً من أصول الدين وأحكامه؛ وكان يُكثر من قوله: (ألَا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغائِبَ.. ألَا هلْ بَلَّغْتُ؟).[٥]


أبرز ما دعت إليه خطبة الوداع

كانت خطبة الوداع بليغة شاملة في مقام ألف خطبة وخطبة؛ فقد دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- أمّته فيها إلى التمسك بحبل الله -تعالى-، ودين الإسلام الذي قام على أسس كثيرة، وأوصاهم بالابتعاد عن الجاهلية التي حررهم الإسلام منها، ونبّهها إلى عدّة أمور يمكن تلخيصها بما يأتي:[٦]

  • حرمة الدماء في الإسلام وعصمتها من الهدر؛ وذلك يتمثل بقوله -صلى الله عليه وسلم-: (فإنَّ دِماءَكُمْ وأَمْوالَكُمْ -قالَ مُحَمَّدٌ: وأَحْسِبُهُ قالَ- وأَعْراضَكُمْ علَيْكُم حَرامٌ، كَحُرْمَةِ يَومِكُمْ هذا، في بَلَدِكُمْ هذا، في شَهْرِكُمْ هذا).[٥]
  • إبطال كل ما هو من دعوى الجاهلية؛ من التكبر والتفاخر بالأنساب، والثأر للدماء، ونحوها من أخلاق الجاهلية، وأعرافها وأحكامها الباطلة؛ وذلك يتمثل بقوله -صلى الله عليه وسلم-: (أَلَا كُلُّ شَيءٍ مِن أَمْرِ الجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ).[٧]
  • التوصية بالنساء، مع بيان ما عليهنّ من واجبات تجاه أزواجهنّ؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: (فَاتَّقُوا اللَّهَ في النِّسَاءِ؛ فإنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بكَلِمَةِ اللهِ، وَلَكُمْ عليهنَّ أَنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ..).[٧]
  • ضرورة التمسك بكتاب الله -تعالى- وسنة نبيّه، فهما دستور حياة؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: (وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ ما لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إنِ اعْتَصَمْتُمْ به؛ كِتَابُ اللهِ).[٧]
  • إبطال التعامل بالربا.


براعة أسلوب النبي في خطبة الوداع

قامت عدد من الدراسات والأبحاث بتسليط الضوء على أسلوب النبي -صلى الله عليه وسلم- في خطبة حجة الوداع؛ لما فيه من فوائد لغوية وبيانية، ودعوية؛ بطريقة تعين الداعية على اتباع أحسن الأساليب التي تجذب انتباه المدعوين، والتي يمكن للخطباء والدعاة إلى الله الانتفاع بها، والاستفادة مما فيها؛ ومن الأساليب البديعة التي قامت عليها خطبة النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع:[٨]

  • حسن الابتداء، وتخيّر الأسلوب المناسب لذلك؛ ويظهر هذا جليّاً في سؤال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أتَدرونَ أيُّ يومٍ هذا، وأيُّ شَهْرٍ هذا، وأيُّ بلدٍ هذا؟).[٩]
  • تحميل المسؤولية الإعلامية لعموم لحاضرين، بتبليغ كل ما سمعوه ووصلهم في هذا اليوم العظيم لمن لم يحضره؛ حيث طلب النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك بقوله: ألَا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغائِبَ).[٥]
  • التسوية بين الجميع بحسن ربطهم بأصلهم ومنشأهم، وذلك عندما أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى وحدة الخالق، ووحدة الأصل؛ فكلّ الناس من ذرية آدم -عليه السلام-، وكلّ الخلق بما فيهم نبي الله آدم من تراب.
  • استخدام أسلوب التكرار؛ لترسيخ مضامين هذه الخطبة في العقول والقلوب، حتى تطمئن لها النفوس، وتعيها على نحوٍ جيد.

المراجع

  1. مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 418، جزء 4. بتصرّف.
  2. أبو الحسن الندوي، السيرة النبوية، صفحة 513. بتصرّف.
  3. رواه النسائي، في سنن النسائي، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:3062، صححه ابن العربي.
  4. عطية سالم، شرح بلوغ المرام، صفحة 3، جزء 172. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ت رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي بكرة نفيع بن الحارث، الصفحة أو الرقم:4406، صحيح.
  6. حسن أبو الأشبال الزهيري، فوائد من خطبة الوداع، صفحة 4-9، جزء 2. بتصرّف.
  7. ^ أ ب ت رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:1218 ، صحيح.
  8. سعيد بن علي ثابت، الجوانب الإعلامية في خطب الرسول صلى الله عليه وسلم، صفحة 73-85. بتصرّف.
  9. رواه ابن ماجه، في سنن ابن ماجه، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:3057، صححه الألباني.