غزوة تبوك

وقعت غزوة تبوك في شهر رجب سنة تسع للهجرة، وكانت آخر غزوات النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-،[١] وقد وقعت في منطقة تسمى عين تبوك، ولها نُسِب اسم هذه الغزوة بغزوة تبوك، حيث روي عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنَّه قال لمن خرج معه في الغزوة من المسلمين: (إنَّكُمْ سَتَأْتُونَ غَدًا، إنْ شَاءَ اللَّهُ، عَيْنَ تَبُوكَ، وإنَّكُمْ لَنْ تَأْتُوهَا حتَّى يُضْحِيَ النَّهَارُ..)،[٢] وكذلك فإنَّ لغزوة تبوك أسماءً أخرى، فقد سُميّت أيضاً بغزوة العسرة، وقد أخذت اسمها بالعسرة لأنَّها وقعت في وقتٍ كان الجو فيه حارًا جداً، فلاقى المسلمون الكثير من المشقة والضنك في طريقهم إليها، ولا سيما أنَّ المسافة كانت بعيدةً جداً مما طلب المزيد من الجهد من الجيش المسلم، ومن أسمائها التي سُميّت بها أيضاً؛ الفاضحة، لما كان لها دورٌ كبير في كشف صدق المُدّعين، وفضح المنافقين، حين تخلّفوا عن المعركة متخذين حججاً واهيةً، فجاءت الغزوة لتكشف أساليبهم العدائية وخططهم الماكرة.[٣]


أسباب غزوة تبوك

أسباب رئيسية

كان السبب الرئيس لوقوع غزوة تبوك أنّه قد بلغ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنَّ جيش الروم يتجهّز لغزو المسلمين في المدينة المنورة، وقد كان الروم وقتئذ يُعرفون بقوتهم العسكرية، وجبروتهم في القتال، وقد سبق لهم الاعتداء على المسلمين بقتل رسول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- دون خوف أو شعور بأدنى ذنب، فعندما عَلِم النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- بتجهّزهم لقتال المسلمين والاعتداء عليهم في أرضهم في المدينة، استبق عليهم النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- الأحداث فأمر المسلمين أن يتجهزوا لغزو الروم وقطع الطريق عليهم، فامتثل الصحابة -رضي الله عنهم- لأمر قائدهم -عليه الصلاة والسلام- مباشرةً.[٤]


أسباب ثانوية

كان لغزوة تبوك عدّة أسبابٍ ثانوية، وفيما يأتي ذكر بعضها:[٥]

  • الدفاع عن الإسلام، وحرية نشره في الجزيرة العربية دون التصدّي في ذلك.
  • محو الآثار النفسية التي خلّفها انسحاب المسلمون من معركة مؤتة.
  • رفع معنويات القبائل العربية التي تقع تحت سلطة الروم إلّا أنّها اعتنقت الإسلام.
  • الاستبصار بالقوة الحقيقة للروم وحلفائها بالشام، استعداداً لنصر مبين.


أحداث غزوة تبوك

عندما علِم النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بأمر الروم، أمر الصحابة بأن يتجهزوا لملاقاتهم، فبدأوا بإعداد العدّة لمواجهة جيش الروم، إلّا أنَّ وقت هذه الغزوة لم يكن لصالح المسلمين، فقد كانوا يمرون بمرحلة اقتصادية صعبة جداً، حيث القحط والحرّ الشديد، وحينها كان وقت الحصاد أيضاً، وبالرغم من كل هذه الظروف إلّا أنَّ المسلمون استطاعوا أن يتجهزوا بالوقت المناسب للغزو، فجمعوا الصدقات والتبرعات من بعضهم، وقاموا بالتجهيزات الممكنة، فلم يكن لهم الخيار بتأجيل ذلك، حيث إنَّ دخول جيش الروم على المدينة يعني إبادتها على أهلها، لذلك كان لا بدَّ لجيش المسلمين أن يخرجوا لملاقاة العدو خارجاً، حتى وصل جيش المسلمين إلى أرض تبوك فعلم جيش الروم بقدومهم، فصُب الرعب والخوف بينهم حتى تزلزلت قلوبهم فما استطاعوا مواجهة جيش المسلمين، وآثروا أن يرجعوا هاربين دون مقابلة جيش المسلمين.[٤]


نتائج غزوة تبوك

كانت معيّة الله -تعالى- ملازمةً للمسلمين في غزوهم على الروم، حتى ظهر ذلك جليّاً عند وصول جيش المسلمين أرض عين تبوك، فما أن وصلوا حتى فوجئ المسلمون بفرار الجيش الروماني دون قتالهم، فلم يغريهم قوة عتادهم وإعدادهم، فبمجرد سماعهم بقدوم جيش المسلمين بقيادة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لقتالهم فرّوا دون تردد، وقد علموا بأنَّ عدد المسلمين كان ثلاثين ألف مقاتلٍ بقيادة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، حيث وصف الله -عزّ وجلّ- ما حدث معهم فقال: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّه}،[٦] حتى ذكر بعض أهل العلم أنَّ الرعب هو جندٌ من جنود الله -تعالى- يرسله ليقاتل مع جيش المسلمين، وهذا ما يشهد له العديد من المعارك مع المسلمين، وهكذا سقطت هيبة الروم أمام أهل الأرض جميعاً بعد أن كانت أقوى الجيوش على وجه الأرض، كما فقد أظهرت الجيش الإسلامي كقوة عظيمة في الجزيرة العربية، ممّا كان له دورٌ عظيم في دخول العديد من القبائل في الإسلام بعدها.[٧]


دروس وعبر من غزوة تبوك

كانت غزوة تبوك هي آخرالغزوات التي شهدها النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، لذلك تُعدّ غزوة تبوك من أهم الغزوات التي حدثت في العهد النبوي، وفيما يأتي ذكر بعض الدروس والعبر من غزوة تبوك:[٨]


تحقق نصر الله تعالى لأهل التقوى

كان هذا جليّاً في غزوة تبوك، حيث إنَّ سنّة الله -تعالى- في الكون أنَّ العاقبة للمتقين.


نشر الفتوحات الإسلامية

فتحت غزوة تبوك الأبواب للصحابة والخلفاء الراشدين -رضي الله عنهم- في نشر دعوة الإسلام في شمال البلاد العربية، وقد اتصفت الأمة الإسلامية بالمجاهدة، وحرّضت أبنائها على الحركة والعمل لكي ينتشر الإسلام والعدل بين الناس، ولذلك كانت غزوة تبوك مقدمة للعديد من السرايا التي جاءت بعدها.


أهمية دفاع المسلم عن عرض أخيه المسلم

عندما خرج النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- والمسلمون إلى غزوة تبوك، تخلّف عن الغزوة عدد من الصحابة -رضي الله عنهم-، وكان من بين من تخلّف من الصحابة؛ الصحابي كعب بن مالك، فبينما النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في تبوك يجلس إلى أصحابه افتقد كعب بن مالك -رضي الله عنه-، فسأل عنه الصحابة، فرد رجل من بني سلمة فقال: "حبسه براده والنظر في عطفيه"، فلم يعجب معاذ بن جبل -رضي الله عنه- ما قاله هذا الرجل فردّ عليه قائلاً: "بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلّا خيراً "، حتى سكت النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-.[٩]


المراجع

  1. موسى بن راشد العازمي، كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون، صفحة 237. بتصرّف.
  2. رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن معاذ بن جبل، الصفحة أو الرقم:706، حديث صحيح.
  3. أمير بن محمد المدري، غزوة تبوك دروس وعبر، صفحة 9-10. بتصرّف.
  4. ^ أ ب د. مراد باخريصة (14/5/2015)، "غزوة تبوك"، الألوكة الشرعية، اطّلع عليه بتاريخ 22/5/2021. بتصرّف.
  5. محمود شيت خطاب، كتاب الرسول القائد، صفحة 397. بتصرّف.
  6. سورة سورة آل عمران، آية:151
  7. أ.د. راغب السرجاني (2010/04/17)، "غزوة تبوك"، قصة الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 22/5/2021. بتصرّف.
  8. د. رشيد كهوس (14/12/2009)، "دروس من غزوة تبوك (1)"، الألوكة ، اطّلع عليه بتاريخ 22/5/2021. بتصرّف.
  9. سامي بن خالد الحمود، "الذهب المسبوك في دروس غزوة تبوك"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 22/5/2021. بتصرّف.