كم حجة حجها الرسول؟

اتفق جمعٌ من أهل العلم على أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- حجّ مرة واحدة في حياته؛[١] وهي حجّة الوداع التي كانت في السنة العاشرة للهجرة؛ حيث ثبت عن زيد بن أرقم -رضي الله عنه- أنّه قال: (... وَحَجَّ -أيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم- بَعْدَ ما هَاجَرَ حَجَّةً لَمْ يَحُجَّ غَيْرَهَا، حَجَّةَ الوَدَاعِ).[٢][٣]


ولعلّ السبب وراء حجّ النبي -صلى الله عليه وسلم- مرة واحدة بعد فرض الحجّ كان من باب رفع الحرج والمشقة عن الناس؛ فقد صحّ أنّ رجلاً سأل النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يا رسولَ اللَّهِ الحجُّ في كلِّ سنةٍ أو مرَّةً واحدةً؟ قالَ: بل مرَّةً واحدةً فمَن زادَ فَهوَ تطوُّعٌ).[٤][٥]


وقد ذكر بعض المؤرّخين أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- حجّ ثلاث حِجج؛ حجّتين قبل الهجرة -وقيل أكثر من ذلك-، وحجّة بعد الهجرة، عندما قرن معها العمرة، وساق معه الهدي، وقد استند أصحاب هذا القول إلى حديث رُوي عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-، ولكنّ أهل الاختصاص قالوا بأنّه غريب مُرسل، غير محفوظ عند أهل الحديث؛ وهذا ما قال به البخاريّ -رحمه الله-.[٦]


ولقد فسّر بعض أهل العلم معنى الحجّ الذي كان من النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل الهجرة؛ بأنّه كان -صلى الله عليه وسلم يشهد مواسم الحجّ مع قريش قبل أن يُفرض الحجّ؛ والذي تمّ فيه بيعتا العقبة الأولى والثانية مع الأنصار، فكان هذا الحجّ على صورة حجّ الإسلام الذي فرضه الله -تعالى-، لذا عدّه العلماء من الحجّ؛ ومن الجدير بالذكر أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يُعلن في تلك المواسم الدعاء لله -تعالى-، ووجوب طاعته، والدعوة إلى رسالة الإسلام.[٧]


بالإضافة إلى أنّه -صلى الله عليه وسلم- كان في حجّه هذا يُخالف أهل الجاهليّة؛ فيخرج إلى عرفات خارج الحرم، بينما كان أهل الجاهليّة من قريش يذهبون إلى مزدلفة، ولا يخرجون إلى عرفات؛ معتبرين أنّهم من خدّام البيت والمسؤولين عنه؛ فلا يخرجون إلى غير حدوده، حتى فرض الله -تعالى- الحجّ، وبيّن أركانه وما يكون فيه، فصاروا إلى حجّ الإسلام.[٨]


مسميّات حجة الرسول

سمّى أهل السير والتراجم حجّة النبي -صلى الله عليه وسلم- العظيمة بعدد من المسمّيات؛ التي ظنّ بعضهم لتعددها أنّها غير واحدة؛ ولكنّها في حقيقة الأمر مسمّيات لحجة واحدة؛ وهذه المسمّيات هي:[٣]

  • حجّة الوداع؛ لأنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- ودّع الناس فيها حين قال: (لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فإنِّي لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتي هذِه).[٩]
  • حجّة البلاغ؛ لأنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بلّغ الناس شرع الله -سبحانه في الحجّ قولاً وفعلاً، ولم يكن قد بقي شيء من دعائم الإسلام وقواعده وأركانه إلا وقد بيّنه النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي هذا نزل قوله -تعالى-: (... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ ديناً...).[١٠]
  • حجّة الإسلام؛ لأنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أدّى بها الفريضة، ولأنّه -صلى الله عليه وسلم- لم يحجّ من المدينة غيرها.


فرض الحج على المسلمين

تعددت أقوال أهل العلم في السنة التي فرض فيها الحجّ على المسلمين؛ فذهب جمهور الفقهاء إلى القول بأنّ الحجّ لم يُفرض إلا متأخراً سنة تسع للهجرة، ولم يحجّ النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا سنة عشر لانشغاله ببعض الأمور الهامّة، ومن هنا ذهبوا إلى أنّ وجوب الحجّ يكون على الفور.[١١]


بينما ذهب الشافعيّة إلى أنّ وجوب الحجّ يكون على التراخي؛ اعتماداً على المرويات التي تقول إنّ الحج فُرض على المسلمين مبكراً، في سنة ست للهجرة، وتأخير النبي -صلى الله عليه وسلم- لأداء مناسك الحجّ إلى السنة العاشرة يدلّ على جواز التراخي في وجوب الأداء.[١١]

المراجع

  1. إسحاق الكوسج، مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه، صفحة 2270، جزء 5. بتصرّف.
  2. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن زيد بن أرقم، الصفحة أو الرقم:1254، صحيح.
  3. ^ أ ب ابن كثير، السيرة النبوية من البداية والنهاية، صفحة 211-212، جزء 4. بتصرّف.
  4. رواه أبي داود، في سنن أبي داود، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:1721، صححه الألباني.
  5. سعيد بن وهف القحطاني، مناسك الحج والعمرة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة، صفحة 92. بتصرّف.
  6. يوسف بن محمد الدخيل، سؤالات الترمذي للبخاري حول أحاديث في جامع الترمذي، صفحة 611، جزء 2. بتصرّف.
  7. ابن حجر الهيتمي، الفتاوى الفقهية الكبرى، صفحة 125-126، جزء 2. بتصرّف.
  8. عطية سالم، شرح بلوغ المرام، صفحة 4، جزء 172. بتصرّف.
  9. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:1297، صحيح.
  10. سورة المائدة، آية:3
  11. ^ أ ب محمد الأمين الشنقيطي، منهج التشريع الإسلامي وحكمته، صفحة 61. بتصرّف.