روقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى، ابن عم أم المؤمنين خديجة -رضي الله عنها- زوجة الرسول عليه الصلاة والسلام، كان من الموحدين في زمن الجاهلية، وقد اعتزل الأصنام وما يدين به أهل مكة، فأنكر عليهم عبادتهم للأصنام وما كان يأكل من ذبائحهم، ويذكر أن ورقة كان يبحث عن الدين الحق، فاعتنق النصرانية من الرهبان الذين حافظوا على ديانة سيدنا عيسى -عليه السلام- في بلاد الشام، كما أن ورقة قد أدرك نزول الوحي على رسول الله حيث أشارت السيدة خديجة على رسول الله أن يذهب لورقة ليسأله عما جرى له في غار حراء، وهذه هي القصة التي حدثت بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين ورقة بن نوفل والتي سوف نتطرق لها خلال هذا المقال.[١]


ما هي قصة ورقة بن نوفل مع الرسول؟

جاء في حديث عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- ما جرى بين رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وبين ورقة بن نوفل، وتاليًا سوف نوضح القصة، ثم ندرج نص الحديث:[٢][٣]


لما نزل الوحي على سيدنا محمد -عليه الصلاة والسلام- في غار حراء عاد إلى بيته يرتجف ويقول "زمّلوني زمّلوني"، وقصّ على السيدة خديجة ما جرى معه، فأشارت عليه بالذهاب إلى ورقة بن نوفل، والذي عُرف عنه أنه يدين بالنصرانية، وأنه تعلّم من الكتب السماوية، فذهب رسول الله مع السيدة خديجة إلى ورقة، وكان وقتها شيخًا كبيرًا أصيب بالعمى، فلما دخلوا عليه قالت السيدة عائشة لروقة: اسمع من ابن أخيك.


قصّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لورقة ما جرى معه في غار حراء، فأجابه على الفور أن هذا هو الناموس الأكبر (أي الوحي، ويقصد به جبريل عليه السلام) الذي نزل على موسى عليه السلام، وتمنى ورقة أنه لو كان شابًا خلال الدعوة، أو أن يكون حيًا عندما يُخرج أهل مكة رسولَ الله منها، فسأله عليه الصلاة والسلام هل هم مخرجوه، فأجاب ورقة أنه ما من رجل جاء بمثل ما جاء به رسول الله إلا عاداه قومه.


ثم قال ورقة للنبي أنه إن أدرك الدعوة سوف ينصره نصرًا مؤزرًا، وهذا ما جاء في الحديث عن قصة ورقة بن نوفل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويذكر من خارج حديث عائشة أم المؤمنين أن ورقة توفي قبل الدعوة، ولكنه صدّق بما جاء به رسول الله، كما يذكر أنه قد أدرك يوم كان يعذب بلال ويقول: أحدٌ أحد، وكان يقول له ورقة أحدٌ أحد يا بلال، والأرجح أنه توفي بعد بدء الوحي كما ورد بحديث عائشة رضي الله عنها.


نص حديث عائشة عن ورقة بن نوفل

عَنْ عائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ أنَّها قالَتْ: أوَّلُ ما بُدِئَ به رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيا الصَّالِحَةُ في النَّوْمِ، فَكانَ لا يَرَى رُؤْيا إلَّا جاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إلَيْهِ الخَلاءُ، وكانَ يَخْلُو بغارِ حِراءٍ فَيَتَحَنَّثُ فيه - وهو التَّعَبُّدُ - اللَّيالِيَ ذَواتِ العَدَدِ قَبْلَ أنْ يَنْزِعَ إلى أهْلِهِ، ويَتَزَوَّدُ لذلكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِها، حتَّى جاءَهُ الحَقُّ وهو في غارِ حِراءٍ، فَجاءَهُ المَلَكُ فقالَ: اقْرَأْ، قالَ: ما أنا بقارِئٍ، قالَ: فأخَذَنِي فَغَطَّنِي حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ثُمَّ أرْسَلَنِي، فقالَ: اقْرَأْ، قُلتُ: ما أنا بقارِئٍ، فأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ثُمَّ أرْسَلَنِي، فقالَ: اقْرَأْ، فَقُلتُ: ما أنا بقارِئٍ، فأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أرْسَلَنِي، فقالَ: {اقْرَأْ باسْمِ رَبِّكَ الذي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإنْسانَ مِن عَلَقٍ (2) اقْرَأْ ورَبُّكَ الأكْرَمُ} [العلق: 1- 3] فَرَجَعَ بها رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يَرْجُفُ فُؤادُهُ، فَدَخَلَ علَى خَدِيجَةَ بنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، فقالَ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَزَمَّلُوهُ حتَّى ذَهَبَ عنْه الرَّوْعُ، فقالَ لِخَدِيجَةَ وأَخْبَرَها الخَبَرَ: لقَدْ خَشِيتُ علَى نَفْسِي فقالَتْ خَدِيجَةُ: كَلّا واللَّهِ ما يُخْزِيكَ اللَّهُ أبَدًا، إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوائِبِ الحَقِّ، فانْطَلَقَتْ به خَدِيجَةُ حتَّى أتَتْ به ورَقَةَ بنَ نَوْفَلِ بنِ أسَدِ بنِ عبدِ العُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ وكانَ امْرَأً تَنَصَّرَ في الجاهِلِيَّةِ، وكانَ يَكْتُبُ الكِتابَ العِبْرانِيَّ، فَيَكْتُبُ مِنَ الإنْجِيلِ بالعِبْرانِيَّةِ ما شاءَ اللَّهُ أنْ يَكْتُبَ، وكانَ شيخًا كَبِيرًا قدْ عَمِيَ، فقالَتْ له خَدِيجَةُ: يا ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أخِيكَ، فقالَ له ورَقَةُ: يا ابْنَ أخِي ماذا تَرَى؟ فأخْبَرَهُ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَبَرَ ما رَأَى، فقالَ له ورَقَةُ: هذا النَّامُوسُ الذي نَزَّلَ اللَّهُ علَى مُوسَى، يا لَيْتَنِي فيها جَذَعًا، لَيْتَنِي أكُونُ حَيًّا إذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ، قالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بمِثْلِ ما جِئْتَ به إلَّا عُودِيَ، وإنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا. ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ ورَقَةُ أنْ تُوُفِّيَ، وفَتَرَ الوَحْيُ. وقال: يونس ومعمر (بوادره)[٤]


مكانة ورقة بن نوفل

توفي ورقة بن نوفل بما ثبت من حديث عائشة قبل البعثة، ولكنه شهد الوحي وكان منه ما ذكرنا سابقًا، فقد صدَّق بالوحي، وقال لرسول الله أنه سينصره نصرًا مؤزرًا إن أدرك البعثة، وقد اختُلِف في إسلام ورقة، ولكن قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح فيه إثبات أن ورقة بن نوفل في الجنة وقد نهى رسول الله عن سب ورقة أو الحديث عنه بسوء، وتاليًا نص الحديث: (لا تسبُّوا ورَقةَ بنَ نوْفلٍ ، فإنِّي قدْ رأيتُ له جنةً أوْ جنَّتيْنِ)[٥]



المراجع

  1. "قصة ورقة بن نوفل رضي الله عنه"، رسول الله، اطّلع عليه بتاريخ 17/10/2023. بتصرّف.
  2. الترمذي عن عائشة قالت,رأيت لورقة جنة أو جنتين. "ورقة بن نوفل...أول المؤمنين بعد خديجة"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 17/10/2023. بتصرّف.
  3. "ورقة بن نوفل"، إسلام أون لاين، اطّلع عليه بتاريخ 17/10/2023.
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:3، صحيح.
  5. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:7320، صحيح.