يعد مسجد قباء أول مسجد بناه المسلمون بعد النبوة، فقد أسسه الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه بعد أن هاجر إلى المدينة، حيث نزل -عليه الصلاة والسلام- في قرية قباء وهي في جنوب المدينة المنورة إلى الجانب الغربي، وقد مكث فيها أيام يقال إنها أربعة، ويقال إنها أربعة عشر، وصلى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم خلال مكوثه في قباء، ولمسجد قباء مكانة عظيمة في الإسلام سنأتي على ذكرها خلال هذا المقال بعد توضيح قصة بناء المسجد.[١]


ما هي قصة بناء مسجد قباء؟

قد يختلط على الكثيرين قصة بناء مسجد قباء وقصة بناء المسجد النبوي، وذلك فيما يتعلق في اختيار مكان المسجد، إذ سيّر الله ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد بركت حيث أقيم المسجد النبوي، أما فيما يخص اختيار موقع بناء مسجد قباء، فلم يصح أي رواية عن ذلك.


إنما ذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم، أول ما قدم من مكة نزل في قرية قباء في بني عمرو بن عوف، وكان ذلك في يوم الاثنين الثامن من ربيع الأول في السنة الأولى للهجرة، وقد مكث في بيت كلثوم بن الهدم، وأسس أول مسجد بعد النبوة، وصلى فيه حتى أكمل إلى المدينة، ويذكر أن قبلة المسجد كانت شمالًا نحو المسجد الأقصى قبل تحويل القبلة.[٢]


وقد جاء في ذلك حديث فيه تفصيل للحادثة، ونستعرضه تاليًا:

(أنَّ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَقِيَ الزُّبَيْرَ في رَكْبٍ مِنَ المُسْلِمِينَ كانُوا تِجارًا قافِلِينَ مِنَ الشَّأْمِ، فَكَسا الزُّبَيْرُ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأَبا بَكْرٍ ثِيابَ بَياضٍ، وسَمِعَ المُسْلِمُونَ بالمَدِينَةِ مَخْرَجَ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن مَكَّةَ، فَكانُوا يَغْدُونَ كُلَّ غَداةٍ إلى الحَرَّةِ، فَيَنْتَظِرُونَهُ حتَّى يَرُدَّهُمْ حَرُّ الظَّهِيرَةِ، فانْقَلَبُوا يَوْمًا بَعْدَ ما أطالُوا انْتِظارَهُمْ، فَلَمَّا أوَوْا إلى بُيُوتِهِمْ، أوْفَى رَجُلٌ مِن يَهُودَ علَى أُطُمٍ مِن آطامِهِمْ لِأمْرٍ يَنْظُرُ إلَيْهِ، فَبَصُرَ برَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأَصْحابِهِ مُبَيَّضِينَ يَزُولُ بهِمُ السَّرابُ، فَلَمْ يَمْلِكِ اليَهُودِيُّ أنْ قالَ بأَعْلَى صَوْتِهِ: يا مَعاشِرَ العَرَبِ، هذا جَدُّكُمُ الذي تَنْتَظِرُونَ، فَثارَ المُسْلِمُونَ إلى السِّلاحِ، فَتَلَقَّوْا رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بظَهْرِ الحَرَّةِ، فَعَدَلَ بهِمْ ذاتَ اليَمِينِ، حتَّى نَزَلَ بهِمْ في بَنِي عَمْرِو بنِ عَوْفٍ، وذلكَ يَومَ الِاثْنَيْنِ مِن شَهْرِ رَبِيعٍ الأوَّلِ، فَقامَ أبو بَكْرٍ لِلنَّاسِ، وجَلَسَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صامِتًا، فَطَفِقَ مَن جاءَ مِنَ الأنْصارِ -مِمَّنْ لَمْ يَرَ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يُحَيِّي أبا بَكْرٍ، حتَّى أصابَتِ الشَّمْسُ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأقْبَلَ أبو بَكْرٍ حتَّى ظَلَّلَ عليه برِدائِهِ، فَعَرَفَ النَّاسُ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عِنْدَ ذلكَ، فَلَبِثَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في بَنِي عَمْرِو بنِ عَوْفٍ بضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وأُسِّسَ المَسْجِدُ الذي أُسِّسَ علَى التَّقْوَى، وصَلَّى فيه رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثُمَّ رَكِبَ راحِلَتَهُ....)[٣]


مكانة مسجد قباء في الإسلام

يعد مسجد قباء أول مسجد في الإسلام، وقد نزلت به آية كريمة في قصة بناء مسجد الضرار، ووصفته بأنه مسجد أسس على التقوى من أول يوم،[٤] وذلك في قوله تعالى (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)) [التوبة: آية 107،108]


وجاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه من توضأ في بيته، ثم سار أو ركب إلى مسجد قباء، فصلى فيه، كانت له كأجر عمرة، حيث ورد في ذلك حديث صحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من تطَهَّرَ في بيتِهِ، ثمَّ أتى مسجدَ قباءٍ، فصلَّى فيهِ صلاةً، كانَ لَهُ كأجرِ عمرةٍ)[٥]


أصل تسمية مسجد قباء

يعود اسم قباء إلى بئر ماء في قرية إلى الجنوب الغربي من المدينة المنورة تبعد ما يقارب 3 كيلومترات عنها، وهي من ضواحي المدينة، وقد سميت القرية على اسم البئر، وبعد أن أسس رسول الله صلى الله عليه وسلم أول مسجد في الإسلام في هذه القرية سمّي أيضًا على اسم القرية.[٦]


المراجع

  1. "الفرق بين مسجد قباء والمسجد النبوي"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 16/10/2023. بتصرّف.
  2. "أول مسجد في الإسلام"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 16/10/2023. بتصرّف.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عروة بن الزبير، الصفحة أو الرقم:3906، صحيح.
  4. "ما هو مسجد الضرار ، ولماذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيه ؟"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 16/10/2023. بتصرّف.
  5. رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن سهل بن حنيف، الصفحة أو الرقم:1168، صحيح.
  6. "لماذا سمي مسجد قباء بهذا الاسم؟"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 16/10/2023. بتصرّف.