زمن تحويل القبلة

كان النبي -صلى الله عليه وسلم- والمسلمون معه يتّجهون إلى بيت المقدس عند الصلاة في مكة المكرمة، بحيث يجعلون الكعبة المشرّفة بينهم وبين بيت المقدس، ولمّا هاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة المنورة، استمرّ وأصحابه -رضي الله عنهم- بالصلاة إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً، وبعدها جاء الأمر الإلهيّ بتحويل القبلة إلى الكعبة المشرّفة،[١] ودليل ذلك ما ثبت عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- أنّه قال: (صَلَّيْنَا مع رَسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- نَحْوَ بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، أوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ صُرِفْنَا نَحْوَ الكَعْبَةِ).[٢][٣]


ولقد تعددت روايات المؤرخين وأهل السير في تاريخ تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرّفة؛ ولكنّ جمهور المحدثين قالوا إنّ ذلك كان في السنة الثانية للهجرة، في السابع عشر أو الخامس عشر من شهر رجب، قبل غزوة بدر الكبرى.[١]


وقد رُوي أيضاً روايات شاذّة تنصّ على أنّ قبلة مسلمين كانت في مكة المكرمة تجاه الكعبة المشرّفة، فلمّا هاجر المسلمون إلى المدينة المنورة تحوّلت إلى بيت المقدس -أيّ بعد الهجرة-؛ تأليفاً لقلوب اليهود تجاه الدين الإسلامي، وبعدها عاد الأمر بتحويل القبلة إلى الكعبة؛ وهذا قول لا يصحّ، ويلزم منه أن يكون النسخ بتحويل القبلة قد وقع مرتين، وهذا قول ضعّفه جمعٌ من أهل العلم.[١]


أول صلاة بعد تحويل القبلة

كان أول من صلّى إلى القبلة الجديدة تجاه الكعبة المشرّفة رجل يُقال له أبو سعيد بن المعلى مع صاحبٍ له -رضي الله عنهما-؛ حيث جاء في الحديث عن أبي سعيد بن المعلى أنّه قال: (كُنَّا نَغْدُو لِلْسُوقِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَمُرُّ عَلَى الْمَسْجِدِ فَنُصَلِّي فِيهِ، فَمَرَرْنَا يَوْمًا وَرَسُولُ اللهِ قَاعِدٌ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقُلْتُ: لَقَدْ حَدَثَ أَمْرٌ فَجَلَسْتُ فَقَرَأَ رَسُولُ اللهِ: "قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ"، حَتَّى فَرَغَ مِنَ الْآيَةِ، قُلْتُ لِصَاحِبِي: تَعَالَ نَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ رَسُولُ اللهِ فَنَكُونَ أَوَّلَ مَنْ صَلَّى، فَتَوَارَينَا فَصَلَّيْنَا، ثُمَّ نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى لِلنَّاسِ الظُّهْرَ يَوْمَئِذٍ).[٤][٥]


أمّا أول صلاة صلّاها النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمسلمين تجاه الكعبة المشرّفة فقد كانت صلاة الظهر كما أشار الحديث السابق، وذلك في مسجد بني سلمة الذي أُطلق عليه لهذا السبب مسجد القبلتين، كما كانت أول صلاة بالمسجد النبويّ تجاه الكعبة المشرّفة هي صلاة العصر،[٦] وقد صلّى أهل قُباء أول صلاة تجاه الكعبة في صلاة الفجر؛ عندما وصلهم خبر تحويل القبلة في اليوم التالي.[٧]


إذ ثبت في الصحيح عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنّه قال: (بيْنَا النَّاسُ بقُبَاءٍ في صَلَاةِ الصُّبْحِ، إذْ جَاءَهُمْ آتٍ، فَقالَ: إنَّ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قدْ أُنْزِلَ عليه اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وقدْ أُمِرَ أنْ يَسْتَقْبِلَ الكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا، وكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إلى الشَّأْمِ، فَاسْتَدَارُوا إلى الكَعْبَةِ).[٨][٧]


سبب تحويل القبلة

كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتطلّع إلى تحويل القبلة إلى الكعبة المشرّفة، قبلة أبيه إبراهيم -عليه السلام-؛ الذي جاء متمماً لدعوته وملّته، كما كان يرجو -صلوات الله عليه- قبلةً خاصةً بالمسلمين، بعيداً عن كل ما يتعلّق باليهود؛ الذين كانوا يرون التوجه لقبلتهم أمراً طاعناً بالإسلام والمسلمين؛ إذ كانوا يقولون إنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتبع قبلتهم مع مخالفته لدينهم، ولولا هذه القبلة لما كان يدرِ المسلمين أين يتوجهون.[٩]


وقد ذكر القرآن الكريم آيات تحويل القبلة على نحوٍ واضح وصريح؛ قال -تعالى-: (قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ).[١٠][٩]

المراجع

  1. ^ أ ب ت أكرم العمري، السيرة النبوية الصحيحة محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية، صفحة 349-350، جزء 2. بتصرّف.
  2. رواه صحيح، في صحيح مسلم، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم:525، صحيح.
  3. موسى بن راشد العازمي، اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون، صفحة 311، جزء 2. بتصرّف.
  4. رواه النسائي، في السنن الكبرى، عن أبي سعيد بن المعلى، الصفحة أو الرقم:10937، قال ابن كثير رجاله كلهم ثقات.
  5. ابن كثير، الفصول في السيرة، صفحة 127. بتصرّف.
  6. السمهودي، خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى، صفحة 29-30، جزء 2. بتصرّف.
  7. ^ أ ب موسى بن راشد العازمي، اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون، صفحة 313-314، جزء 2. بتصرّف.
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:4491، صحيح.
  9. ^ أ ب المراغي، أحمد بن مصطفى، تفسير المراغي، صفحة 9، جزء 2. بتصرّف.
  10. سورة البقرة، آية:144