في وقتنا الحاضر تقتضي العادة الفصل بين جميع السلطات؛ فالسلطة القضائية منفصلة عن السلطة التشريعة، وكذلك السلطة التنفيذية منفصلة عنهما، وذلك للتطورات التي حصلت بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ففي زمن الرسول صلى الله عليه وسلم كان الناس جميعهم يلجؤون إليه في حل أمورهم، وكان صلى الله عليه وسلم هو المرجع للتشريع، فإذا حصل أمر مع أي شخص في ذلك الوقت كان يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويطرح له الموقف الذي حصل معه، ليصدر الرسول صلى الله عليه وسلم حكمًا له، وفي مقالنا هذا سنتبين إذا كان هناك قضاة في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم.[١]


عدد القضاة في زمن الرسول

أن أمر القضاء هو أمر عظيم، فمنزلة القاضي ومنصبه لها مكانة في الشريعة الإسلامية وفي المجتمع الإسلامي، ومهمة القضاء هي مهمة جميع الأنبياء والرسل، فقد قال الله سبحانه وتعالى للنبي داوود رضي الله عنه في كتابه الكريم: "يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ"،[٢] وإن النبي صلى الله عليه وسلم في عهده هو من كان يقوم مقام القاضي لحل النزاعات بين الناس، فكان قضاؤه يعتمد على الاجتهاد، إذ إنه كان يعتمد في قضائه على القواعد الشرعية مثل: "البينة على المدعي واليمين على من أنكر"، وقد كان صلى الله عليه وسلم مثالًا في القيادة.


أدى انتقال الدولة الإسلامية من الأماكن المحدودة إلى أماكن متعددة إلى اتساع رقعة الدولة الإسلامية وحاجة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى من يقوم بالقضاء، لذلك أسندت مهام القاضي إلى الولاة؛ وذلك لأن المهمات الموكلة إلى الوالي قليلة، كما أن المشكلات التي يحكّم فيها بين الناس قليلة أيضًا، وهذا يمكنه من القضاء بالاحتكام إلى القرآن والسنة، كما نجد أن بعض الصحابة رضوان الله عليهم عملوا بمهنة القضاء، إذ بعث النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب إلى اليمن ليقضي بين الناس، وأرسل معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن أيضًا، وأسند أمر القضاء في مكة بعد فتحها إلى عتّاب بن أسيد رضي الله عنه،[٣] فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يقوم بأمر القضاء بنفسه على الرغم من إرساله لبعض الصحابة رضوان الله عليهم وتكليفهم بالقضاء إلا أنه لم يعين قاضيًا خاصًّا بل كان يرسل بعض أصحابه إلى أماكن معينة، وكانوا يرجعون في الحكم إلى كتاب الله سبحانه وتعالى، وإلى السنة النبوية الشريفة، والحكم الذي اتخذه الرسول مسبقًا في القضايا، كما أنهم استعانوا بالقواعد الشرعية العامة.[٤]


الشروط التي يجب أن تتوافر في القاضي

عند تعيين قاضٍ لا بد أن تتوافر فيه شروط معينة، وفيما يلي توضيح لهذه الشروط:[٥]

  1. البلوغ، فلا يصح تعيين الصبي قاضيًا.
  2. العقل، فلا يصح تعيين المجنون أو السفيه.
  3. الحرية، فلا يصح تعيين غير الحر.
  4. الإسلام، فلا يصح ولاية الكافر على المسلمين وحل نزاعاتهم، لا سيما أن القضاء يستند إلى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والقواعد الإسلامية العامة.
  5. الذكورة، فلا تصلح الأنثى أن تكون قاضيًا.
  6. العدالة، إذ يجب أن يكون القاضي قائمًا بجميع الأركان والفرائض في الإسلام، وأن يبتعد عن خوارم المروءة في عصره.
  7. الاجتهاد، يجب أن يكون القاضي قادرًا على استنباط الحكم من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
  8. سلامة الحواس، فلا يتولى القضاء أصم أو أعمى أو أبكم.


المراجع

  1. محمد رأفت عثمان، كتاب النظام القضائي في الفقه الإسلامي، صفحة 36. بتصرّف.
  2. سورة ص، آية:26
  3. وهبة الزحيلي، كتاب الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي، صفحة 6232. بتصرّف.
  4. محمد رأفت عثمان، النظام القضائي في الفقه الإسلامي، صفحة 41. بتصرّف.
  5. " القضاء في الإسلام"، الألوكة. بتصرّف.