بيعة الرضوان

هي البيعة التي تمّت في زمن الحديبية، في السنة السادسة للهجرة، في شهر ذي القعدة؛[١] وقد سميت بذلك لأنّ الله رضي عن المؤمنين الذين بايعوا النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۚ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)،[٢] وقال -تعالى-: (لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا).[٣][٤]


سبب بيعة الرضوان

لمّا قدم المسلمون يوم الحديبية لأداء مناسك العمرة، أبت قريش أن تدخلهم مكة المكرمة؛ وظنّت أنّ المسلمين قد أعدّوا العدّة لقتالها، ممّا جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يُرسل إليهم الرّسل حرصاً على حرمة البيت، وإظهاراً لعدم الرغبة بالحرب والقتال، فأرسل إليهم في بداية الأمر خراش بن أمية الخزاعي؛ لكنّهم أرادوا قتله، وعفّروا البعير التي كانت تحمله وأرسلوه إلى القوم.[٥]


ثم اختار النبي -صلى الله عليه وسلم- عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ليكون رسولاً إلى قريش، ولكنّ الفاروق تعذّر للنبي لما كان بينه وبين قريش من عداوة وغلظة، وأشار إلى اختيار عثمان بن عفان -رضي الله عنه- لكونه الأنسب في هذه المهمة، فقبل النبي -صلى الله عليه وسلم- منه الاعتذار، واستحسن ما أشار إليه، وبعث عثمان بن عفان -رضي الله عنه- إلى قريش، ولمّا احتبست قريش عثمان بن عفان -رضي الله عنه- عندها، أُشيع مقتل عثمان بين المسلمين؛ مما جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يجمع المسلمين وينادي فيهم على البيعة.[٥]


على ماذا تمت المبايعة

اجتمع أمسلمون كلّهم لمبايعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا رجلاً واحد، قيل كان منافقاً؛ وهو الجد بن قيس؛ ففي حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنّه قال: (كُنَّا أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً، فَبَايَعْنَاهُ، وَعُمَرُ آخِذٌ بيَدِهِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَهي سَمُرَةٌ، فَبَايَعْنَاهُ غيرَ جَدِّ بنِ قَيْسٍ الأنْصَارِيِّ؛ اخْتَبَأَ تَحْتَ بَطْنِ بَعِيرِهِ)،[٦] وقد تعددت الأقوال في الأمور التي تمت المبايعة عليها؛ فقيل تمت المبايعة على عدم الفرار والتولّي عند مواجهة قريش، وقيل تمت المبايعة على الموت في سبيل الله -تعالى-.[٧]


نتائج بيعة الرضوان

أثر البيعة على قريش

تملك الخوف والرعب قريش لمّا علمت بالبيعة، وتأكدت من تأهب المسلمين لأي قتال ضدها؛ فأشار أصحاب الرأي والمشورة إلى إقامة الصلح مع النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن يعود هذا العام دون أداء العمرة، ويرجع في العام القادم دون سلاح إلا ما يُحمل للدفاع عن النفس، بحيث تخلو لهم مكة المكرمة ثلاثة أيام لأداء المناسك.[٨]


أثر البيعة على المسلمين

وفي هذه البيعة المباركة حاز المسلمون على العديد من الثمار نافعة؛ نذكر منها:[٩]

  • الاستعداد لمواجهة قريش.
  • الترقب لنيل الشهادة في سبيل الله -تعالى-.
  • رضوان الله -تعالى- عليهم، وتخليد ذكرهم في القرآن الكريم.
  • إرهاب قريش.
  • بيان مكانة عثمان -رضي الله عنه-؛ وذلك باجتماع القوى المسلمة للثأر من أجله -رضي الله عنه- تحت قيادة النبي -صلى الله عليه وسلم-.[١٠]
  • كفاية القتال؛ وذلك لمّا عاد إليهم عثمان بن عفان -رضي الله عنهم- سالماً لم يُصبه الأذى.
  • صلح الحديبية الذي كان فيه الظفر والنصر للمسلمين، وإن كان ظاهره غير ذلك.


لطائف من بيعة الرضوان

لمّا بايع المسلمون النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيعة الرضوان، وصاحبه عثمان بن عفان -رضي الله عنه- غائب عن هذا المشهد العظيم، وضع النبي -صلى الله عليه وسلم- يده الأخرى وقال: (هذِه يَدُ عُثْمَانَ -فَضَرَبَ بهَا علَى يَدِهِ- فَقالَ: هذِه لِعُثْمَانَ اذْهَبْ بهذا الآنَ معكَ)،[١١][١] فنابت يد النبي -صلى الله عليه وسلم- عن يد عثمان -رضي الله عنه-، وأي يد أجل وأشرف وأعظم من يده الشريفة -صلى الله عليه وسلم-، مما يدل على مدى حرص النبي على أصحابه، وحبّه لهم، وإشراكهم في أمره.



مواضيع أخرى:

صلح الحديبية وفتح مكة دروس وعبر

أين تمت بيعة العقبة الأولى؟

المراجع

  1. ^ أ ب محمد بن عبد الله غبان الصبحي، فتنة مقتل عثمان بن عفان، صفحة 80، جزء 1. بتصرّف.
  2. سورة الفتح، آية:10
  3. سورة الفتح، آية:18
  4. حافظ بن محمد حكمي، مرويات غزوة الحديبية جمع وتخريج ودراسة، صفحة 133. بتصرّف.
  5. ^ أ ب محمد أبو شهبة، السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة، صفحة 330-331، جزء 2. بتصرّف.
  6. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله ، الصفحة أو الرقم:1856، صحيح.
  7. حافظ بن محمد حكمي، مرويات غزوة الحديبية جمع وتخريج ودراسة، صفحة 138-139. بتصرّف.
  8. محمد رضا، محمد صلى الله عليه وسلم، صفحة 416، جزء 1.
  9. محمد أبو شهبة، السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة، صفحة 331، جزء 2. بتصرّف.
  10. أبو بكر ابن العربي، العواصم من القواصم، صفحة 105. بتصرّف.
  11. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:4066، صحيح.