تمت بيعة العقبة الثانية في مكة المكرمة، في منطقة تسمى العقبة، تقع في مِنَى، بالقرب من الجمرة الأولى، وقد تم اللقاء بشكل سري للغاية في هذا المكان، فاجتمع أهل هذه البيعة خفيةً في ظلام الليل الحالك، وتمت هذه البيعة بين الرسول -صلى الله عليه وسلم- وبين المسلمين من أهل المدينة،[١] وكان كل هذا الحذر في طريقة اللقاء وأسلوبه بسبب ما كان يعانيه المسلمون عموماً وأهل مكة منهم خصوصاً، من اضطهاد وتعذيب، وإهانة واستهزاء، وملاحقة وأذى مستمر، من قِبل سادة المشركين وطغاتهم في مكة، لمحاولة صدهم عن الإسلام، وإفشال دعوة الرسول -صلى الله عليه وسلم-،[٢] وكانت هذه البيعة من أعظم الأحداث في تاريخ الإسلام، فقد شكلت تحولاً كبيراً في مسيرة الدعوة الإسلامية، حيث كانت بداية لانتقالها من مرحلة الضعف والخوف، إلى مرحلة القوة والمواجهة.[٣]


متى تمت بيعة العقبة الثانية؟

  • تمت بيعة العقبة الثانية في العام الثالث عشر للبعثة النبوية، الموافق لعام 622 ميلادي، وقد كان ذلك في نهاية موسم الحج من ذلك العام، حيث كان من عادة العرب أن يحجوا إلى مكة في كل عام، وتمت في اليوم الثاني من أيام التشريق، وقد حدد الرسول -صلى الله عليه وسلم- هذا الموعد، بعد أن قام الأنصار بمراسلته سرَّاً،[٤] من خلال رئيسهم الديني مصعب بن عمير -رضي الله عنه-، حيث كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد أرسله مع المبايعين في العقبة الأولى، إلى المدينة كي يعلمهم الإسلام، ويدعو غير المسلمين من أهلها إليه.[٥]
  • وقد التقى مصعب بالرسول -صلى الله عليه وسلم- في مكة بعد أن قدم إليها مع الأنصار في موسم الحج، وبيَّن مصعب للرسول -صلى الله عليه وسلم- حال الأنصار من محبتهم له واستعدادهم لحمايته والذود عنه، وما تتمتع به قبائلهم به من قوة يهابها العرب، فسُرَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- بذلك كثيراً.[١]


كيف تمت بيعة العقبة الثانية؟

  • تم الاتفاق مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- على اللقاء في المكان والزمان المحددين، فخرج الأنصار قريباً من منتصف الليل من خيامهم، وتوجهوا نحو العقبة، وكانوا يمشون تسللاً حتى لا يشعر بهم أحد، فلما تجمعوا هناك -وكان عددهم ثلاثة وسبعين رجلاً وامرأتين- انتظروا قدوم الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولم يتأخر عليهم فقدم هو وعمه العباس بن عبد المطلب -وكان لم يُسلم بعد- ولكنه أراد الاستيثاق لابن أخيه من القوم، وتكلم العباس أولاً، مُنَبِّهاً الأنصار إلى خطورة الأمر، وأنهم إن كانوا غير قادرين على التضحية من أجل الرسول -صلى الله عليه وسلم- وحمايته جيداً، فلا يبايعوه ثم يتركوه.[٦]
  • ثم تكلم الرسول -صلى الله عليه وسلم- فذَكَّرهم بالله، وحبَّبَهم في الإسلام، وعرض عليهم شروط البيعة، فقال: (تُبايِعوني على السَّمعِ والطَّاعةِ، في النَّشاطِ والكَسلِ، والنَّفقةِ في العُسْرِ واليُسْرِ، وعلى الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عنِ المُنكَرِ، وأنْ تَقولوا في اللهِ لا تخافوا في اللهِ لَوْمةَ لائِمٍ، وعلى أنْ تَنصُروني فتَمْنَعوني إذا قَدِمْتُ عليكُم ممَّا تَمْنَعون منه أَنفُسَكُم وأزواجَكُم وأبناءَكُم؛ ولكُمُ الجَنَّةَ[٧] فبايعوه بكل قناعة وإصرار، وشجاعة وإقدام، ومحبة وإيمان، وتمت البيعة مصافحة بين الرسول -صلى الله عليه وسلم- والرجال، أما المرأتان فبايعَهُما بالكلام فقط، لأن مصافحة النساء الأجنبيات غير جائزة في الإسلام.[٦]


المراجع

  1. ^ أ ب العازمي، اللؤلؤ المكنون، صفحة 579. بتصرّف.
  2. محمد الطيب النجار، القول المبين في سيرة سيد المرسلين، صفحة 166. بتصرّف.
  3. راغب السرجاني، السيرة النبوية، صفحة 1. بتصرّف.
  4. المباركفوري، الرحيق المختوم، صفحة 133. بتصرّف.
  5. أحمد غلوش، السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي، صفحة 409. بتصرّف.
  6. ^ أ ب المباركفوري، الرحيق المختوم، صفحة 133-136. بتصرّف.
  7. رواه الوادعي، في الصحيح المسند، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:222، حديث حسن.