أسماء النبي محمد في الكتب السماوية

كان أول من بشّر بالنبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأول من أشهر ذكره هو النبي إبراهيم -عليه السلام-؛ حين قال في دعائه لله -تعالى-: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)؛[١] فكانت بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- مصداق لدعوة أبيه إبراهيم الخليل -عليه السلام-.[٢]


ونبيّن فيما يأتي بعض أسماء النبي -صلى الله عليه وسلم- التي ذُكرت في بعض الكتب السماويّة؛ والتي اعُتمد في تأكيدها وبيانها على صريح نصوص الكتاب العزيز والسنّة المشرفة.


أحمد

ذكر القرآن الكريم بشرى سيدنا عيسى -عليه السلام- ببعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- من بعده، بالكتاب الذي أنزل عليه وهو الإنجيل، وأنّ ذلك تصديق لما بيّن يديه -عليه السلام- من التوراة؛ فقال -تعالى-: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ).[٣][٤]


كما ثبت بصحيح السنة النبويّة أنّ يهودياً من أهل المدينة ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- عند ميلاده باسم أحمد؛ ففي الصحيح عن حسّان بن ثابت -رضي الله عنه- أنّه قال: (وَاللَّهِ إِنِّي لَغُلَامٌ يَفَعَةٌ ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ، أَوْ سَبْعٍ، أَعْقِلُ مَا سَمِعْتُ، إِذْ سَمِعْتُ يَهُودِيًّا يَصْرُخُ عَلَى أُطُمِهِ يَثْرِبَ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، حَتَّى اجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَقَالُوا لَهُ: وَيْلَكَ مَا لَكَ؟ قَالَ: طَلَعَ اللَّيْلَةَ نَجْمُ أَحْمَدَ الَّذِي وُلِدَ بِهِ).[٥][٦]


النبي الأُميّ

أكد الله -تعالى- في القرآن الكريم على بشارة الكتب السابقة بالنبي محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ الذي يعلّمهم صلاح دينهم، ويعد المؤمنين منهم بالفلاح والنجاة؛ فجاء ذكره في هذه البشارة بالنبيّ الأميّ؛ قال -تعالى-: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).[٧][٨]


أسماء أخرى

ثبت في السنة النبويّة أنّ صفة واسم النبي -صلى الله عليه وسلم- في التوراة كانت موافقة لما ذكر في القرآن الكريم؛ بأن سمّي بالشاهد، والمبشر، والنذير، وحرز -حصن- الأميّين، والمتوكل، وموصوفاً بلين القلب، وليس بالجافي، ولا مصعد الصوت في الأسواق.[٩]


ونحوها من الأوصاف التي ثبتت في صحيح البخاري عن عطاء بن يسار -رضي الله عنه-؛ حيث لقي عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهم جميعاً- وقال له: (أخْبِرْنِي عن صِفَةِ رَسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- في التَّوْرَاةِ).[١٠][٩]


وردّ عبد الله فقال: (واللَّهِ إنَّه لَمَوْصُوفٌ في التَّوْرَاةِ ببَعْضِ صِفَتِهِ في القُرْآنِ: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا"، وحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ، أنْتَ عَبْدِي ورَسولِي، سَمَّيْتُكَ المتَوَكِّلَ، ليسَ بفَظٍّ ولَا غَلِيظٍ، ولَا سَخَّابٍ في الأسْوَاقِ، ولَا يَدْفَعُ بالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، ولَكِنْ يَعْفُو ويَغْفِرُ، ولَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حتَّى يُقِيمَ به المِلَّةَ العَوْجَاءَ، بأَنْ يَقولوا: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، ويَفْتَحُ بهَا أعْيُنًا عُمْيًا، وآذَانًا صُمًّا، وقُلُوبًا غُلْفًا).[١٠][٩]


ذكر النبي محمد في الكتب السماوية

أكدت النصوص الشرعيّة من القرآن الكريم والسنة النبويّة أنّ ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- ورد في بعض الكتب السماويّة؛ حيث أخبر القرآن الكريم أنّ صفة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه جاء ذكرها في التوراة والإنجيل.[١١]


وقد قال -تعالى- في ذلك: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا).[١٢][١١]


وأمّا من السنة النبويّة، فيُؤكد على ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- ما كان من سؤال النبي لرجل من اليهود كان يقرأ التوراة: (أنشُدُكَ بالذي أنزَلَ التَّوْراةَ، هل تَجِدُ في كِتابِكَ ذا صِفَتي ومَخرَجي؟)،[١٣] فأنكر وجحد هذا الرجل اليهوديّ، وحرّك رأسه بمعنى لا.[١٤]


مما جعل ابنه يردّ ويقول: (إي والذي أنزَلَ التَّوْراةَ، إنَّا لَنَجِدُ في كِتابِنا صِفَتَك ومَخرَجَك، وأشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنَّك رسولُ اللهِ...)؛[١٣] فهذا الاعتراف يؤكد على أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- معروفٌ عند اليهود، ومكتوباً عندهم وصفه، وذكره في كتبهم.[١٤]

المراجع

  1. سورة البقرة، آية:129
  2. حمود الرحيلي، منهج القرآن الكريم في دعوة المشركين إلى الإسلام، صفحة 213-214، جزء 1. بتصرّف.
  3. سورة الصف، آية:6
  4. عبد الإله بن عبد الله السعيدي، قصة الحياة، صفحة 148. بتصرّف.
  5. رواه أبو نعيم الأصبهاني، في دلائل النبوة، عن حسان بن ثابت، الصفحة أو الرقم:35، صححه الألباني.
  6. ناصر الدين الألباني، صحيح السيرة النبوية، صفحة 13. بتصرّف.
  7. سورة الأعراف، آية:157
  8. منقذ السقار، دلائل النبوة، صفحة 127.
  9. ^ أ ب ت صالح بن طه عبد الواحد، سبل السلام من صحيح سيرة خير الأنام عليه الصلاة والسلام، صفحة 62، جزء 1. بتصرّف.
  10. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، الصفحة أو الرقم:2125 ، صحيح.
  11. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، المنتخب في تفسير القرآن الكريم، صفحة 761. بتصرّف.
  12. سورة الفتح، آية:29
  13. ^ أ ب رواه الإمام أحمد، في المسند ، عن رجل من الصحابة، الصفحة أو الرقم:23492، قال ابن كثير إسناده جيد قوي وقال الشوكاني له أحاديث تشهد له وقال الألباني صحيح الإسناد.
  14. ^ أ ب سعيد بن وهف القحطاني، رحمة للعالمين، صفحة 326. بتصرّف.