اصطفى الله تعالى نبيّه محمد -صلّى الله عليه وسلّم- على سائر خلقه، فقد أحسن خُلقه وخلقته -عليه الصلاة والسلام-، فقد ذكر رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنّه أمان أمته، فقال: (النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ ما تُوعَدُ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي، فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي ما يُوعَدُونَ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتي ما يُوعَدُونَ)،[١] وقد خصّه الله تعالى بوصفه بخليل الرحمن، فلم يكن هذا الوصف إلّا له وللنبيّ إبراهيم -عليهما الصلاة والسلام-، حيث قال عليه السلام: (إنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللَّهِ)،[٢] وقد فسّر الشوكاني -رحمه الله تعالى- قول الله -عزّ وجلّ-: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ}،[٣] فقال: "فإذا دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم لشيء، ودعتهم أنفسهم إلى غيره، وجب عليهم أن يقدموا ما دعاهم إليه، ويؤخروا ما دعتهم أنفسهم إليه، ويجب عليهم أن يطيعوه فوق طاعتهم لأنفسهم، ويقدموا طاعته على ما تميل إليه أنفسهم، وتطلبه خواطرهم"،[٤] فكل ذلك يدل على فضله وعظيم قدره ومنزلته.


عظم منزلة النبيّ صلى الله عليه وسلم

تبرز عظمة منزلة النبي صلى الله عليه وسلم في العالمين، كما أنها لا تخفى على أحد من البشر، حيث أشار القرآن الكريم والسنة النبوية إلى عظيم شرفه، وفيما يلي ذكر أمورٍ تدل على منزلته في الدارين؛ الدنيا والآخرة:


منزلة النبيّ في الدنيا

  • تعبّد الله العباد بالتأدب مع رسول الله: حيث إنّ الله -عزّ وجلّ- لم يذكر اسم النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في القرآن الكريم مجرداً ولو لمرة، فقد كان في جميع خطاباته -عزّ وجلّ- له يخاطبه -عليه الصلاة والسلام- بشرف النبوّة والرسالة، فقال في محكم كتابه: {سُبحانَ الَّذي أَسرى بِعَبدِهِ لَيلًا مِنَ المَسجِدِ الحَرامِ إِلَى المَسجِدِ الأَقصَى}،[٥] وقال أيضاً: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ}،[٦] وفي الآية التي خطاب الله تعالى نبيّه باسمه نسبه إلى شرف الرسالة، فقال: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ}،[٧] في الوقت الذي خاطب الله -تعالى- جميع أنبيائه بأسمائهم المجردة.[٨]
  • شهادة الله -عزّ وجلّ- للنبيّ بحسن الخلق: حيث قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.[٩][٨]
  • شهادة الله للنبيّ بعلو منزلته، ورفعة مكانته وذكره: فقال الله -عزّ وجلّ- :{وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}،[١٠] فقد روي عن قتادة -رحمه الله- أنّه قال: "رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلاّ يقول: أشهد أن لا إله إلّا الله، وأن محمداً رسول الله".[١١]
  • تعبّد الله -تعالى- العباد بالصلاة على النبيّ: حيث قال الله -تعالى- :{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}،[١٢] فجعل الله تعالى ذكره عبادة يؤجر عليها، وهذا يدل على عظيم شرفه ومكانته.[٨]
  • وصفه -صلّى الله عليه وسلّم- بأنّه سيد ولد بني آدم كما ورد في الحديث الصحيح.[٤]
  • ختم الله تعالى به الأنبياء والمرسلين، وجعل رسالته عامة لجميع الخلق، وأيده بالمعجزة الخالدة الباقية إلى يوم الدين، وهو القرآن الكريم.


منزلة النبيّ في الآخرة

تتجلى عظمة منزلة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في اليوم الآخر بعدة شواهد، وفيما يأتي ذكر بعضها:[١٣]

  • أوّل من يُبعث يوم القيامة: فقد أخبر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ذلك فقال: (وأَوَّلُ مَن يَنْشَقُّ عنْه القَبْرُ).[١٤]
  • خُصّ -عليه السلام- بالمقام المحمود: فمن عظمة منزلة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ الله -عزّ وجلّ- اصطفاه بالمقام المحمود على سائر الناس، حيث قال -عليه الصلاة والسلام-: (يُبعَثُ الناسُ يومَ القيامةِ، فأكونُ أنا وأمَّتي على تَلٍّ، ويكسُوني ربِّي تبارَكَ وتعالى حُلَّةً خَضْراءَ، ثمَّ يؤذَنُ لي، فأقولُ ما شاء اللهُ أن أقولَ؛ فذاك المَقامُ المحمودُ).[١٥]
  • شهادة النبيّ على الناس يوم القيامة: حيث تفرّد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وأمته به، فقد قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}.[١٦]
  • أول شافع ومشفّع يوم القيامة.[١٧]
  • أول من يعبر الصراط، وأول من يدخل الجنة.
  • إمام الأنبياء وخطيبهم يوم القيامة: فكلهم يكونون تحت لوائه.


المراجع

  1. رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن أبي موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم:2531، صحيح.
  2. رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:2383، حديث صحيح.
  3. سورة سورة الأحزاب، آية:6
  4. ^ أ ب "فضائل النبي صلى الله عليه وسلم"، إسلام ويب، 4/4/2004، اطّلع عليه بتاريخ 25/11/2021. بتصرّف.
  5. سورة سورة الإسراء، آية:1
  6. سورة سورة المائدة، آية:41
  7. سورة سورة الفتح، آية:29
  8. ^ أ ب ت "مكانته صلى الله عليه وسلم"، طريق الإسلام، 9/12/2013، اطّلع عليه بتاريخ 25/11/2021. بتصرّف.
  9. سورة سورة القلم، آية:4
  10. سورة سورة الشرح، آية:4
  11. أبو عبد الرحمن الشامي، "عظمة النبي محمد صلى الله عليه و سلم"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 25/11/2021. بتصرّف.
  12. سورة سورة الأحزاب، آية:59
  13. د. محمود بن أحمد الدوسري (16/5/2017)، "عظمة منزلة النبي صلى الله عليه وسلم في الآخرة "، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 25/11/2021. بتصرّف.
  14. رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2278، حديث صحيح.
  15. رواه شعيب الأرناؤوط ، في تخريج المسند، عن كعب بن مالك، الصفحة أو الرقم: 1578، إسناده صحيح على شرط مسلم.
  16. سورة سورة البقرة، آية:143
  17. الصالحي الشامي، كتاب سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، صفحة 382. بتصرّف.