حرص الإسلام على المؤاخاة بين المسلمين دون السعي لتحقيق أي غايةٍ ذاتيةٍ، بل جعلها قائمةً على الإيمان والتقوى المتحقّقة في القلوب والنفوس، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)،[١] وقال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: (يا أيها الناسُ إنَّ ربَّكم واحدٌ، وإنَّ أباكم واحدٌ، ألا لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأحمرَ على أسودَ، ولا لأسودَ على أحمرَ إلا بالتقوى إنَّ أكرمَكم عند اللهِ أتقاكُم، ألا هل بلَّغتُ؟ قالوا: بلى يا رسولَ اللهِ قال: فيُبَلِّغُ الشاهدُ الغائبَ).[٢][٣]
ما معنى مؤاخاة؟
المؤاخاة لغةً
المؤاخاة في اللغة: من آخى الرجل مؤاخاةً وإخاءً، أي اتخذ أخاً له، ومن ذلك ما ثبت أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قد آخى بين المهاجرين والأنصار.[٤]
المؤاخاة شرعاً
هي الأخوة في الدين الإسلاميّ التي تعدّ من أوثق الروابط التي تربط بين الأفراد، ذلك أنّ الأخوّة في الدِّين ناتجةً عن الإيمان العميق به، بحيث يخضع المسلم لأوامر ربه دون سواه، ويتبع ذلك عاطفةً قويةً موحّدةً تجمع المسلمين جميعاً، وقد أشار الله -تعالى- إلى الأخوّة بين المسلمين في قوله: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)،[٥] وأشار إليها الرسول -عليه الصلاة والسلام- أيضاً في العديد من الأحاديث النبوية، منها: قوله -عليه السلام-: (المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ ولا يُسْلِمُهُ، ومَن كانَ في حاجَةِ أخِيهِ كانَ اللَّهُ في حاجَتِهِ)،[٦] فالإيمان هو الرابط الوحيد الذي يربط بين المسلمين دون النظر إلى نفسٍ أو مالٍ أو جاهٍ.[٤]
معانٍ أخرى للمؤاخاة
تتعدّد معاني المؤاخاة إذ إنّ اللفظ يُطلق ويُراد به عدّة معانٍ فيما يأتي بيان البعض منها:[٧]
- أخوّة النسب: أي النسب البعيد الذي يعود إلى أصل البشر آدم -عليه الصلاة والسلام-، أو النسب إلى قومٍ أو قبيلةٍ ما، ومن ذلك قول الله -تعالى-: (وَإِلى عادٍ أَخاهُم هودًا)،[٨] فقد أطلق الله -تعالى- لقب الأخ على هود لأنّه بعثه إلى عادٍ منهم.
- الصداقة والصُحبة: وقد تقوم على رابطة الدِّين كما في قول الله -تعالى-: (فَإِخوانُكُم فِي الدّينِ)،[٩] وتقوم أيضاً على عدّة روابط أخرى؛ كالعمل، أو التشابه في صفةٍ ما؛ كالاجتماع على الخير.
المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار
طبّق الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- نظام المؤاخاة في العام الأول من الهجرة، فآخى بين المهاجرين من أهل مكّة والأنصار من أهل المدينة في دار أنس بن مالك، فشَمِلَت المؤاخاة تسعين رجلاً من الطرفَين، وكانت لأسبابٍ وغاياتٍ عدّةٍ تجلّت في نشر التآلف فيما بينهم، والتخفيف عن المهاجرين أثر الغربة، ونتجت عدّة حقوقٍ عن تلك المؤاخاة تمثَّلَت في المواساة والتعاون على أعباء الحياة من إنفاقٍ ورعايةٍ، وتناصحٍ وتزاوُرٍ وتحابٍّ، قال -تعالى-: (الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).[١٠][١١]
المراجع
- ↑ سورة الحجرات، آية:13
- ↑ رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم:2700، صحيح.
- ↑ إسحاق السعدي، دراسات في تميز الأمة الإسلامية وموقف المستشرقين منه، صفحة 632. بتصرّف.
- ^ أ ب
- ↑ سورة الحجرات، آية:10
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم:6951، صحيح.
- ↑ إسحاق بن عبدالله السعدي، دراسات في تميز الأمة الإسلامية وموقف المستشرقين منه، صفحة 401. بتصرّف.
- ↑ سورة الأعراف، آية:65
- ↑ سورة التوبة، آية:11
- ↑ سورة الحشر، آية:9
- ↑ محمد بن صامل السلمي، كتاب صحيح الأثر وجميل العبر من سيرة خير البشر صلى الله عليه وسلم، صفحة 168. بتصرّف.