كانت الهجرة النبوية ذكرى تاريخية ذات قيمة عند المسلمين، فقد هاجر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مع أصحابه من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة والتي كانت حينها تسمى يثرب، وذلك في العام الرابع عشر للبعثة، وقد عزم صلى الله عليه وسلم على الهجرة لما كان المسلمون يلاقونه من الأذى والعذاب من قريش وزعمائها، خاصة بعد أن توفي عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو طالب.
كيف كان عصر الهجرة النبوية؟
حينما اشتد الأذى من أهل مكة المكرمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين أمرهم الله تعالى بأن يخرجوا من مكة لينشروا دين الله تعالى في بقاع الأرض التي يستطيعون فيها عبادته تعالى والدعوة لدينه، وكان اختيار الله تعالى هو يثرب لتكون دارًا لهجرة المسلمين، وذلك حينما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه أنه يهاجر إليها ورؤياه صلى الله عليه وسلم حق.[١][٢]
لم تكن الهجرة النبوية من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة حدثًا عاديًّا، بل كانت حدثًا عظيمًا ونقلة في حياة رسول الله والصحابة الكرام، فهي الفاصل بين المرحلة المكية والمرحلة المدنية من مراحل الدعوة الإسلامية، وقد كانت عظمة الهجرة في ذلك الوقت تقاس بعظمة أحداثها؛ لأنّ القائم بها نبينا الشريف محمد صلى الله عليه وسلم، لذلك تخلّدت الهجرة النبوية في التاريخ، وحملت بطياتها الكثير من صبر الصحابة الكرام وتضحياتهم وإخائهم وتوكلهم، وقد جعل الله تعالى بها العزة للإسلام ورفع رايته والنصر للمسلمين وبناء دولتهم.[٣][٤]
الرحلة من الدار إلى الغار
لم تعلم قريش وزعماؤها أن الله تعالى قد أذن لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم بأن يهاجر إلى يثرب، ففي وقت تفكيرهم بمؤامرات جديدة ضده صلى الله عليه وسلم، كان نبينا الكريم قد غادر منزله في السنة الرابعة عشرة من البعثة، في الليلة السابعة والعشرين من شهر صفر، وقد انطلق نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام من منزله متوجهًا إلى منزل صاحبه أبي بكر رضي الله عنه ليخبره بأمر الهجرة والخروج من مكة.
لما سمع أبو بكر بأمر الهجرة خاف من أن يخسر شرف مرافقة النبي وصحبته فيها، فاستأذنه بالهجرة معه فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جهّز راحلتين لركوبهما في الهجرة، واستأجر رجلًا من بني الديل اسمه عبد الله بن أُريقط بوصفه ماهرًا في الطرق، وأعطاه الراحلتين لرعايهما، وقد جرة الاتفاق بينهم على أن يلتقوا بعد ثلاث ليال في غار ثور، وفي الوقت ذاته الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعد فيه للهجرة، كانت عائشة بنت أبي بكر وأختها أسماء رضي الله عنهما تجهزان بعض ما يحتاجه النبي وصاحبه في رحلة الهجرة، وقد شقت أسماء نطاقها لنصفين لتضع فيه الطعام، ومن وقتها صارت ملقبة بذات النطاقين.
أمر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ابن عمه علي بن أبي طالب ألا يخرج معهم في الهجرة؛ وذلك لإرجاع الأمانات التي كانت عند رسول الله لأصحابها، كما أشار عليه بأن يلبس ثيابه وينام في فراشه ليلة الهجرة، وبعد أن تأكد صلى الله عليه وسلم من أن الخطة تسير كما أراد لها غادر هو وأبو بكر الصديق من الباب الخلفي للخروج من مكة المكرمة قبل طلوع الفجر، ولما كان صلى الله عليه وسلم يعلم بأن الطريق الرئيسي المؤدي إلى يثر سيكون مراقبًا، قرر أن يسلك مع أبي بكر الطريق المعاكس والذي هو من جنوب مكة المكرمة المتجه لليمن، حتى وصلا إلى النقطة المتفق عليها وهي غار ثور.[٥]
في غار ثور
لما أدركت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من مكة، بدأت البحث عنه، وتتبعت أثره حتى وصلت إلى غار ثور، وعندها سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر صوتًا لوقع أقدام رجال قريش ومحادثاتهم، وقد ورد عن أبي بكر أنه قال للنبي حينها: "لو أنَّ أحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا، فَقَالَ: ما ظَنُّكَ يا أبَا بَكْرٍ باثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا؟!".[٦][٧]
حماية الله للرسول
بعد أن بقي رسولنا الكريم وأبو بكر ثلاث ليال في الغار إلى أن توقفت قريش عن البحث عنهما، خرجا من الغار برفقة الدليل عبد الله بن أُريقط، والمعين والخادم عامر بن فهيرة، وعليه فإنهم فكانوا ثلاثة أشخاص والدليل، وعلى الرغم من أن قريش ابتعدت عن غار ثار وهدأت في البحث عن الرسول إلا أنها لم تيأس من إيجاده، وقد بدأت بتحفيز أهل مكة على البحث عنه؛ وذلك بمكافأة قيمة بلغت مئة ناقة لمن ينجح في العثور عليه.
بعد معرفة خبر تلك الجائزة من قريش تكثفت عمليات بحث أهل مكة عن الرسول، إلى أن تمكن أحد المشركين من رؤية رسول الله وصاحبه من بعيد، وعندها أسرع ذاك المشرك لإخبار سراقة بن مالك الذي ما لبث أن ركب فرسه وتقلد رمحه وأسرع باتجاه المكان المنشود، وعندما اقترب منهم، تعثَرت فرسه وسقَط عنها، لكنه ركبها ثانية وسقط عنها ثانية، لكن حماسه للفوز بالمكافأة دفعه إلى المحاولة وعندها غرزت فرسه بالرمال، ففهم من ذلك أن الله تكفل بحمايته صلى الله عليه وسلم، وعندها طلب سراقة من الرسول وصاحبه الأمان، وأخذ على نفسه عهدًا بحفظ سرهما، فما كان من النبي لما رأى صدقه إلا أن أعطاه الأمان ووعده بسواري كسرى، وكان سراقة بن مالك قد أوفى بوعده، فلم يكن ير أحدًا يبحث عن الرسول إلا وألهاه عن ذلك آمرًا بالرجوع.[٨]
شاة أم مَعبد
كانت رحلة هجرة الرسول شاقة جدًّا لدرجة أن أبا بكر ورسول الله في طريقهم إلى المدينة، استأذنا على خيمة في الطريق ليستريحا ويبحثا عن شيء يأكلانه، وكانت هذه الخيمة لامرأة يقال لها أم معبد، وعند دخولهما إلى الخيمة طلبا منها طعامًا، وقد شعرت بالحرج من ذلك لعدم وجود شيء لديها إلا شاة ضعيفة، فطلب منها الرسول إحضار تلك الشاة، فمسح على ضرعها ودعا الله بأن يجعل فيها البركة، ثم حلبها حتى شربوا جميعًا، وبذلك تكون رحلة الهجرة المباركة إلى يثرب انتهت بكل ما فيها من معيقات وصعوبات واجهت النبي عليه الصلاة والسلام وصاحبه، ليصلا إلى أرض يثرب المدينة المنورة.[٩]
المراجع
- ↑ رواه البخاري، في صحيح بخاري، عن أبو موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم:7035.
- ↑ "حديث الهجرة "، الإسلام سؤال وجواب . بتصرّف.
- ↑ سورة التوبة، آية:40
- ↑ "الهجرة النوية الشريفة"، الألوكة الشرعية. بتصرّف.
- ↑ "الهجرة النبوية الشريفة"، إسلام ويب . بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح بخاري، عن أبو بكر الصديق، الصفحة أو الرقم:3653.
- ↑
- ↑ "الهجرة النبوية الشريفة"، الألوكة الشرعية . بتصرّف.
- ↑ "الهجرة النبوية الشريفة"، إسلام ويب. بتصرّف.