الهجرة

الهجرة في اللغة هي: الترك، ويشمل كل نوعٍ منه؛ كترك الأمور المادية أو المعنوية، ومن ذلك ترك المعاصي والذنوب، وترك البلاد والديار، أمّا الهجرة في الشَّرع فيُراد بها عند إطلاقها هجرة الرسول -عليه الصلاة والسلام- من مكّة المكرّمة إلى المدينة المنورة ومَن معه من المسلمين، وقد قال الله -تعالى- فيهم: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ أُولَـئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ).[١][٢]


كم عدد هجرات الرسول؟

هاجر الرسول -عليه الصلاة والسلام- مرةً واحدةً وكانت إلى المدينة المنورة،[٢] ذلك بعد أن هاجر المسلمون إليها بجماعاتٍ متفرّقةٍٍ ومنهم من هاجر لوحده، وبقي النبيّ -عليه الصلاة والسلام- في مكة ينتظر الإِذن له بالهجرة، وبقيَ معه علي بن أبي طالب وأبو بكرٍ الصدّيق والبعض من المسلمين الذين حُبسوا بسبب إسلامهم، وحينما عَلِمت قريش بأنصار النبيّ- عليه الصلاة والسلام- في المدينة وهجرة المسلمين من مكّة إليها وتمكينهم فيها وعزّهم وأمانهم اجتمع أشرافها في دار الندوة يتشاورون في أمره -صلّى الله عليه وسلّم-، وقد أبدى كلٌ منهم رأياً للتخلّص من الرسول واستقرّ بهم الأمر بالموافقة على رأي أبو جهل الذي رأى بجمع رجلٍ من كلّ قبيلةٍ بسيفه وسلاحه لقتل الرسول -عليه السلام- ليلاً، وبذلك يتفرّق دمه بين القبائل فلا يستطيع بنو عبد مناف الثأر له منهم فيرضخون لدفع الدية.[٣]


تهيأ المشركون لقتل النبيّ -عليه السلام- ولم يعلموا حينها أنّ الله -تعالى- قد أَذِن لرسوله -عليه السلام- بالهجرة إلى المدينة، وأمر -عليه الصلاة والسلام- علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن يؤدّي الأمانات التي كانت لديه إلى أصحابها وأن ينام في فراشه ليُوهم المشركين أنّه في فراشه لم يُهاجر، وغادر مع أبي بكرٍ من الباب الخلفيّ لحُجرته، وغادرا مكة المكرمة قبل بزوغ الفجر، واختار النبيّ -عليه السلام- السير إلى المدينة من الطريق غير المعتاد في السير إليها، وقد استقرّا في غار ثورٍ ومكثا فيه ثلاث ليالٍ، ثمّ انطلقا مجدداً في سيرهما نحو المدينة المنورة.[٤]


دروسٌ وعبرٌ من هجرة الرسول

دلّت أحداث الهجرة النبوية على عدّة دروسٍ وعبرٍ بيان البعض منها آتياً:

  • الإيمان بعناية الله -تعالى- بعباده الصالحين وعدم خذلانهم، إذ إنّه حمى نبيّه -عليه الصلاة والسلام- من قتل المشركين له، قال -سبحانه-: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ).[٥][٦]
  • ضرورة التوكّل على الله -تعالى- والاعتماد عليه واليقين بما أعدّ لعباده مع الأخذ بالأسباب والاستعداد المادي والمعنوي، فقد تتبع أُناس من قريش النبي -عليه الصلاة والسلام- وأبا بكرٍ إلّا أنّهم لم يستطيعوا رؤيتهما، كما ثبت في الصحيح عن أبي بكرٍ: (نَظَرْتُ إلى أَقْدَامِ المُشْرِكِينَ علَى رُؤُوسِنَا وَنَحْنُ في الغَارِ، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، لو أنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إلى قَدَمَيْهِ أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ، فَقالَ: يا أَبَا بَكْرٍ ما ظَنُّكَ باثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا).[٧][٤]


المراجع

  1. سورة الحشر، آية:8
  2. ^ أ ب أحمد أحمد غلوش، السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني، صفحة 59-60. بتصرّف.
  3. محمد أبو شهبة، السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة، صفحة 470-474. بتصرّف.
  4. ^ أ ب "الهجرة النبوية الشريفة"، الألوكة، 5/11/2014، اطّلع عليه بتاريخ 31/7/2021. بتصرّف.
  5. سورة غافر، آية:51
  6. عبد الحي يوسف، دروس الشيخ عبد الحي يوسف، صفحة 4. بتصرّف.
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي بكر الصديق، الصفحة أو الرقم:2381، صحيح.