بدء دعوة النبيّ
بَعثَ الله نبيّه -صلّى الله عليه وسلّم- للناس كافّةً؛ ليُخرجهم من الظلمات إلى النور ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العِباد، وقد كانت البيئة التي بُعث فيها بيئةً صعبةً؛ لِما لها من الإرث الجاهليّ العتيد الذي اتسم بانقلاب المفاهيم فيه؛ فالحقّ فيه باطلٌ والباطل فيه حقاً، وبالتالي ألزمَ ذلك على النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أن ينطلق بدعوته إلى الله من أقرب الأقربين إليه من أهل بيته وأصحابه، فكانت زوجته خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- أول الناس وأقربهم بل أسرعهم استجابةً لدعوته.[١]
مدة الدعوة السرية
استمرّت الدعوة السريّة ثلاث سنواتٍ رغم أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لم يكن يريد في قرارة نفسه أن يقتصر في دعوته على أهل بيته، بل كان يريدُ أن تنتشر تلك الدعوة في أصقاع الأرضِ كافّةً، فمن فِراسته وحنكته وإيمانه القوي بربه أخذُ بالأسباب في كلّ خطوةٍ يخطوها، وخاصّةً أنّه يعلمُ جيداً أنّ دعوته ستُقابل بالرفض والعداء في تلك البقعة التي دبّت فيها الجاهلية من سنواتٍ وهو الآن بصدد أن يطمسها شيئاً فشيئاً.[٢]
مقر الدعوة السرية
كانت دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي الواقعة على جبل الصفا مقرّاً للدعوة السرية؛ لحماية الدعوة وبقاء صِبغتها السرية واستمراريتها، وللحفاظ على صحابة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وحمايتهم من أذى قريش، فقد رأى النبيّ -عليه السلام- أن يتّخذ لهم مقرّاً يكون حافظاً للدعوة مثّبتاً لعزيمة الصحابة، وقد اختاره بعيداً عن أعين أهل قريش وجبروتهم الذي قد يَحلُّ عليهم في أية لحظةٍ فكانت تلك الدار بمثابة المقر لانطلاق الدعوة.[٣]
مراحل دعوة النبي
بعث الله نبيّه -صلّى الله عليه وسلّم- ليدعو الناسَ إلى عبادته وإفراده بالوحدانية وإخراجهم من الشرك كما هي دعوة الأنبياء كلّهم، وقد كان النبيّ -عليه الصلاة والسلام- متدرّجاً مع قومه؛ لتكون الدعوة صلبةً ومتينةً لا تُكسر شكوتها، لذلك مرّت بعدّة مراحلَ بيانها آتياً:[٤]
1- إعداد النبي
اصطفى الله -سبحانه- نبيّه فرعاه أتمّ رعايةً، فنال -عليه السلام- العناية الإلهية الخاصة، قال -تعالى-: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى)،[٥] فكانت تلك العناية تجهيزاً منه -عزّ وجلّ- لحمل النبيّ لرسالة الإسلام.[٤]
2- الدعوة السريّة
والتي استمرت ثلاث سنوات تحمّل فيها النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وأصحابه -رضي الله عنهم- المشاقّ والمعاناة في سبيل الدعوة.[٤]
3- الدعوة الجهرية
أمر الله -تعالى- النبيّ -عليه السلام- بالجهر في الدعوة بقوله: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ).[٦][٤]
4- الهجرة إلى المدينة المنورة
أمر الله -تعالى- نبيّه -عليه السلام- بالهجرة إلى المدينة المنورة بعد الإعداد لها بمُبايعة أهلها للرسول مرّتين في بيعتي العقبة الأولى والثانية على نُصرته والبذل في سبيل الدعوة.[٤]
5- تأسيس الدولة الإسلامية
عمل النبيّ -صلّى الله ليه وسلّم- على إقامة أركان الدولة بعدّة أمورٍ، منها: بناءُ المسجد، وتوطيد العلاقات بين المهاجرين والأنصار بمؤاخاتهم، وتحديد شكل علاقات المسلمين فيما بينهم ومعَ غيرهم.[٤]
توسيع رقعة الدعوة الإسلامية
سعى النبيّ -عليه السلام- في نشر رسالة الإسلام داخل الجزيرة العربية وخارجها.[٤]
الحكمة من الدعوة السريّة
كانت الحكمة الإلهية بالوحي منه -سبحانه- لنبيّه -عليه السلام- أن تكون دعوته سريّةً أول الأمر؛ حفاظاً عليها من الضياع والفشل، لتنشأ قويةً في بيئةٍ متشبثةٍ بدعوى الجاهلية وبإرثها وعنادها ومتعلّقةٍ بعبادة الأصنام والأوثان، ولِما تتمتّع به مكّة المكرّمة من الموقع الاستراتيجيّ باعتبارها مركزاً ثقافياً ودينياً وتجارياً، ولأجلِ أن تُصبِحَ الدعوة فيما بعد ذاتَ جذورٍ صلبةٍ في قلوب الناس وحياتهم، ولتكون قادرةً على مواجهة أي خطرٍ أو صراعٍ قد ينشب بينها وبين أهل الباطل، فلذلك بدأ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بدعوة أقرب الناس.[٧]
المراجع
- ↑ إسلام ويب (20/8/2003)، "الإسلام في مرحلة الدعوة السرية"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 26/8/2021. بتصرّف.
- ↑ أ.د راغب السرجاني (22/1/2017)، "الدعوة السرية .. وقفات وأحكام"، قصة الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 26/8/2021. بتصرّف.
- ↑ صفي الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم، صفحة 80. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح خ د.أمين الدميري (19/3/2014)، "فقه التدرج في دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم "، شبكة الألوكة ، اطّلع عليه بتاريخ 27/8/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة الضحى، آية:6
- ↑ سورة الشعراء، آية:214
- ↑ إسلام ويب (5/2/2019)، "نظرات في مرحلة الدعوة السرية"، إسلام ويب ، اطّلع عليه بتاريخ 2/9/2021. بتصرّف.