عَقِبَ هجرة النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- وصحابته إلى المدينة المنوّرة، وتأسيسه للدولة المسلمة، وترسيخ القواعد الاجتماعيّة بين أفرادها؛ بتنظيم علاقة المسلمين فيما بينهم، وترتيب شؤونهم العقدية والسياسيّة والتنظيميّة، كان لا بُدّ من نظم العلاقة مع غير المسلمين المقيمين في المدينة المنوّرة؛ بُغية توفير الحماية وتحقيق الأمن للمجتمع المسلم القائم في المدينة، وكانت قبائل من اليهود تقيم في المدينة المنوّرة؛ فأقام النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- معاهدةً مع اليهود تكفل حقوقهم في التديّن والعيش الآمن في كنف المدينة المنوّرة دون اعتداءٍ عليهم أو على أموالهم، وفي مقابل ذلك فإنّه يحُظر عليهم الاعتداء على أحدٍ من المسلمين أو التحالف مع قريش ضدهم، كما أنّهم والمسلمين ملزمون بالدفاع عن المدينة حال الاعتداء عليها، وأنّ بينهم النصح والبر دون الإثم،[١] إلّا أنّ اليهود نقضوا المعاهدة، وتاليًا حديثٌ عن أوّل اليهود الناقضين للعهد.


من هي أول قبيلة يهودية غدرت بالنبي؟

كان يهود بني قينقاع أوّل من غدر بالنبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- ونقض العهد الذي بينه وبينهم، وتمثّلت خيانتهم ونقضهم للعهد بقيام أفرادٍ منهم بكشف عورة امرأةٍ مسلمةٍ قدمت إلى أحد الصاغة في سوق بني قينقاع لتبيع وتشتري؛ فأرادوا منها أن تكشف وجهها فأبت فقام واحدٌ منهم بربط طرف ردائها فانكشفت عورتها دون أن تنتبه، وقام أحد المسلمين بقتل اليهوديّ الذي فعل ذلك؛ فاجتمع اليهود على المسلم فقتلوه، فلمّا بلغ النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- ما كان من يهود بني قينقاع من كشفٍ لعورة المسلمة واجتماعهم على قتل المسلم الذي دافع عنها، أعدّ جيشاً بقيادة حمزة بن عبد المطّلب وخرج إلى حصون بني قينقاع فحاصرهم، واستمرّ حصارهم خمسة عشر يوماً وهم متحصّنون في حصونهم، وقذف الله -تعالى- في قلوبهم الرعب، حتّى سلّموا أنفسهم للنبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- وكلّم النبيَّ بشأنهم عبد الله بن أبي بن سلول؛ فحكم النبيّ بإجلائهم وإخراجهم من المدينة المنوّرة إلى بلاد الشّام جزاءً لما كان منهم من غدرٍ وخيانةٍ للعهد.[٢][٣][٤]


القبائل اليهودية الأخرى في المدينة

كان اليهود المقيمون في المدينة المنوّرة والذين عقد النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- معاهدةً معهم ثلاث طوائف، إحداهم بنو قينقاع، والآخرون هم:[٢][٤]


بنو النضير

وقد خانوا العهد ونقضوه بتآمرهم على النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- ومحاولة قتله بإلقاء صخرةٍ عليه من أعلى السطح بعد خروجه من دُورهم حيث كان يجلس معهم ويحدّثهم، إلّا أنّ الله -تعالى- أنبأ النبيّ بمؤامرتهم؛ فحاصرهم برفقة جيشٍ من المسلمين حتّى أجلاهم من المدينة وأخرجهم إلى بلاد الشّام.


بنو قريظة

وكان نقضهم للعهد مع النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- يوم غزوة الأحزاب، حين رأى بنو قريظة اجتماع مشركي قريش وغيرهم من القبائل العربيّة وتحالفهم ضدّ المسلمين، فانتهزوا فرصة ضعف المسلمين، وأعلنوا نقض العهد والتحالف مع المشركين؛ فما كان من النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- بعد انتهاء غزوة الأحزاب إلّا أن قتل مقاتليهم وسبى أموالهم وذريّتهم عقابًا لهم على خيانتهم.


المراجع

  1. صفي الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم، صفحة 173-174. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ابن القيم، زاد المعاد في هدي خير العباد، صفحة 114-115. بتصرّف.
  3. راغب السرجاني، السيرة النبوية، صفحة 2. بتصرّف.
  4. ^ أ ب موسوعة الأخلاق، "غدر اليهود بالمسلمين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 25/08/2021. بتصرّف.