غزوة بني المصطلق

زمن وقوع الغزوة

تسمى هذه الغزوة أيضاً بغزوة المُرَيسيع؛ والتي حدثت في شهر شعبان، سنة ست للهجرة على أصحّ الأقوال؛ ولم تكن هذه الغزوة طويلة المدى، أو كثيرة الجلبة العسكريّة، لكنّها أحدثت بعض البلبلة والاضطرابات الداخليّة في المجتمع الإسلامي؛ التي نتج عنها فضح المنافقين؛ وإظهار سوءهم، وقد كان سبب هذه الغزوة أنّ زعيم بني المصطلق الحارث بن أبي ضرار سيّر جيشاً من قومه، ومن القبائل المجاورة له لغزو النبي -صلى الله عليه وسلم-.[١]


سبب الغزوة

بعد أنْ علِم المسلمون بنيّة بني المصطلق أرسل النبي الكريم الصحابيّ بريدة بن الحصيب الأسلمي -رضي الله عنه-، إلى زعيم بني المصطلق ليتأكد من الخبر؛ فلمّا أتاه وكلّمه، وتحقق من خبر الجيش والحرب، عاد إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وأعلمه بذلك؛ فخرج النبي وصحابته إلى لقاء القوم، وخرج معهم جماعةٌ من المنافقين، لم يخرجوا في غزوة قبل هذه الواقعة، وقد استعمل النبي -صلى الله عليه وسلم- أحد الصحابة على المدينة المنورة.[١]


أحداث الغزوة

لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه جيش بني المصطلق عند ماء المُرَيسيع -وهو اسم ماء للقوم عند الساحل-، وقد بلغ جيش المسلمين حينئذٍ سبعمائة رجل، فزحف الناس واقتتلوا، والتقى الجيشين؛ فقُتل من قُتل، وجُرح من جُرح، وهزم الله -تعالى- بني المصطلق، ونصر نبيّه وصحابته الكرام؛ وقد سبى النبي -صلى الله عليه وسلم- نساءهم وأولادهم، وذراريهم.[٢]


كما أفاء عليهم، وساق ما عندهم من النعم والمواشي، ولم يُصب من المسلمين إلا رجلاً واحداً؛ أصابه رجلٌ من الأنصار من غير قصد فقتله، وقد وقع في يد المسلمين غنائم كثيرة؛ قدّرها الواقدي بألفيّ بعير، وخمسة آلاف شاة، وأمّا السبيّ فبلغ مئتين؛ وقد وقعت من بينهم جويريّة بنت الحارث -رضي الله عنها-؛ زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- وأم المؤمنين فيما بعد.[٢]


دور المنافقين في هذه الغزوة

ظهرت خسّة المنافقين في هذه الغزوة بصورة جليّة، وذلك بتعمّدهم لإثارة النعرات، وإيقاد نار الفتن؛ وذلك لمّا انتهت الغزوة؛ مكث جيش المسلمين عند ماء المُرَيسيع، وقد وردوا على الماء يستقون، حتى تزاحموا عنده؛ وقد كان من بينهم أجيراً لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، ازدحم مع مولى لبني عوف من الخزرج؛ حتى كادا يقتتلان، وكل واحد يريد السبق إلى موضع الماء؛ فصاح أجير عمر -رضي الله عنه- ونادى على المهاجرين، وصاح مولى بني عوف، ونادى على الأنصار.[٣]


وكان أول من تلقى هذه الصيحات عبد الله بن أبي -رأس المنافقين في المدينة- وأتباعٌ له؛ فوجدها فرصة مناسبة لإثارة الفتنة بين معاشر المهاجرين والأنصار، وأنّهم أصحاب فضل على المهاجرين، يوم قاسموهم أموالهم، وفتحوا لهم بيوتهم؛ وتوّعد القوم بإخراج المهاجرين من المدينة، وقد نزل فيهم قوله -تعالى-: (يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ...)،[٤] ثمّ أقبل المنافقون على عبد الله، وأخذوا يحرضون بعضهم على العصيان، والخروج عن أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.[٣]


حتى رآهم زيد بن الأرقم -رضي الله عنه-، فانطلق إلى رسول الله يقصّ عليه الخبر؛ ولمّا علم عبد الله بن أبي بذلك؛ أخذ يُكذب زيد بن الأرقم هو ومن تبعه من المنافقين، وقد حزن النبي -صلى الله عليه وسلم- ممّا سمع؛ وخرج بالجيش عائداً إلى المدينة المنورة، وقد ساروا الليل بأكمله؛ فلمّا وصلوا المدينة نزلت الآيات في سورة المنافقين؛ تهتك الستر عنهم، وتفضح كذبهم، وتصدّق زيد بن الأرقم -رضي الله عنه-.[٣]


زواج النبي من جويرية بنت الحارث

لمّا قسّم النبي -صلى الله عليه وسلم السبايا؛ وقعت جويريّة بن الحارث -رضي الله عنها- في سهم ثابت بن قيس؛ وقيل لابن عمٍ له؛ فكاتبها على نفسها؛ أيّ اتفقت أن تفتدي نفسها ليعتقها هذا الصحابيّ؛ فجاءت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- تستعين به على هذا الأمر، وأخبرته أنّها ابنة سيد بني المصطلق؛ فلمّا علم النبي -صلى الله عليه وسلم- بشأنها سألها أنْ يُقدم لها ما هو أحسن من ذلك.[٥]


قال لها -صلى الله عليه وسلم-: (أؤدِّي عنْكِ كتابتَكِ وأتزوَّجُكِ...)؛[٦] فوافقت -رضي الله عنها-، وقبلت هذا الزواج، وقد بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى هذا الصحابي؛ وأعتقها ثم تزوّجها؛ فجعل مكاتبة عتقها مهراً لها، ولمّا انتشر خبر زواج النبي -صلى الله عليه وسلم- من جويريّة -رضي الله عنها- أعتق الصحابة ما بأيديهم من السبيّ إكراماً للنبي -صلى الله عليه وسلم-.[٥]


إسلام الحارث بن ضرار

أقبل الحارث بن ضرار إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد الغزوة يطلب فداء ابنته جويريّة -رضي الله عنها-، مقابل عددٍ من البعير؛ وكان قد ترك بعض هذه البعير في أحد الوديان رغبة بها؛ فقيل إنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- سأله عن هذه البعير التي خبأها في الوادي، ممّا جعل الحارث يُسلم بين يديّ النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويشهد أنّه رسول من عند الله -تعالى-.[٧]


موقف بني المصطلق بعد هذه الغزوة

أسلم بنو المصطلق بعد هذه الغزوة المباركة، وبعد إسلام سيّدهم الحارث -رضي الله عنه-؛ وصاروا دعاة إلى الله -تعالى- بعد أن كانوا أعداء للإسلام والمسلمين، وأصبحوا محل عناية واحترام بين المؤمنين.[٨]


وتأكّد هذا الاحترام بعد أنْ صاهرهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتزوّج منهم، فكانت عاقبة هذه الغزوة فتحاً وخيراً وبركةً على الإسلام وعلى المسلمين، وكان لمعاملة النبي -صلى الله عليه وسلم- الحسنة للأسرى كبير الأثر في نفوس بني المصطلق؛ حتى سارعوا إلى الإسلام، ودخلوا به، وأدّوا ما عليهم من واجبات تجاه هذا الإيمان.[٨]

المراجع

  1. ^ أ ب صفي الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم مع زيادات، صفحة 262-263. بتصرّف.
  2. ^ أ ب إبراهيم بن إبراهيم قريبي، مرويات غزوة بني المصطلق وهي غزوة المريسيع، صفحة 105-107. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت محمد الغزالي، فقه السيرة، صفحة 290. بتصرّف.
  4. سورة المنافقون، آية:8
  5. ^ أ ب نور الدين الحلبي، السيرة الحلبية إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون، صفحة 379-380، جزء 2. بتصرّف.
  6. رواه البيهقي، في السنن الكبرى، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:74، قال البيهقي ثابت صحيح.
  7. عبد الملك بن هشام، سيرة ابن هشام، صفحة 295، جزء 2. بتصرّف.
  8. ^ أ ب إبراهيم بن إبراهيم قريبي، مرويات غزوة بني المصطلق وهي غزوة المريسيع، صفحة 140. بتصرّف.