غزوة مؤتة

غزوة مؤتة هي من أعظم وأكبر الغزوات التي خاضها المسلمون في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-،[١] وتعتبر أول حرب للمسلمين مع النصارى،[٢] وبداية لفتوح بلاد النصارى، وقد حدثت هذه المعركة في السنة الثامنة للهجرة،[٣] والتي عيّن فيها الرسول -عليه الصلاة والسلام- ثلاثة قادات وليس قائدًا واحدًا وهم زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة -رضي الله عنهم أجمعين-، مع جيش مكون من ثلاثة آلاف مقاتل، وأخرج الرسول مع الجيش خالد بن الوليد -رضي الله عنه- الذي مضى على إسلامه وقتها ثلاثة أشهر، كما خرج معهم بنفسه -عليه الصلاة والسلام- لتوديعهم، وللتأكد من أنَّ المعركة تسري ضمن الأحكام الشرعية؛ لكي يلتزم المسلمون بها.[٤]


سبب غزوة مؤتة

يرجع سبب غزوة مؤتة إلى أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- بعث الحارث بن عمير الأزدي بكتاب إلى ملك بُصرى، فلمّا نزل بمؤتة اعترضه شرحبيل بن عمرو الغساني ولمّا علم أنَّه رسول بعثه محمد ضربه وقتله، وكان شرحبيل حينئذ أميرًا على البلقاء في أرض الشام من قبل قيصر،[١] كما أنَّ قتل الرسل والتعرّض لهم يعدُّ من أبشع الجرائم، وهو وسيلة لإعلان الحرب على المسلمين، وعندما علم النبي محمد -صلى الله عليه وسلّم- بمقتل رسوله الحارث بن عمير غضب غضبًا شديدًا وجهّز أكبر جيش إسلامي من ثلاثة آلاف مقاتل والذي لم يسبق قبل ذلك إلا في غزوة الأحزاب، وأمَّر عليهم ثلاثة من القادة،[٣] فقد روي عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه-: (أَمَّرَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في غَزْوَةِ مُؤْتَةَ زَيْدَ بنَ حَارِثَةَ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ، وإنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بنُ رَوَاحَةَ. قَالَ عبدُ اللَّهِ: كُنْتُ فيهم في تِلكَ الغَزْوَةِ، فَالْتَمَسْنَا جَعْفَرَ بنَ أبِي طَالِبٍ، فَوَجَدْنَاهُ في القَتْلَى، ووَجَدْنَا ما في جَسَدِهِ بضْعًا وتِسْعِينَ؛ مِن طَعْنَةٍ ورَمْيَةٍ)،[٥] وأوصاهم أن يأتوا بمقتل الحارث بن عمير، وأن يدعوا الناس إلى الإسلام فإن أجابوا وإلا استعانوا بالله وقاتلوهم.[٣]


أحداث غزوة مؤتة

وصول جيش المسلمين إلى مؤتة

بعد وصول المسلمين من المدينة إلى معان من أرض الشام، لملاقاة جيش العدو بقيادة هرقل والذي بلغهم أنَّه قد نزل إلى مآب من أرض البلقاء،[٦] وقد تفاجؤوا بالحشود الضخمة التي تنتظرهم، فقد كان عدد جيوش الخصم مائة ألف مقاتل من الروم ومائة ألف مقاتل من العرب،[٧] مما أدى إلى تردد المسلمين لمواجهتهم وبدء القتال معهم؛ الأمر الذي دفعهم للبقاء بمعان ليلتين للتفكير في أمرهم بإخبار رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ليشير عليهم ما يفعلوا، فإمّا أن يمدهم برجال أو أن يأمرهم بأمر فيمضوا به، لكن عبد الله بن رواحة -رضي الله عنه- شجّع المسلمين على القتال والمضي قدمًا؛ فهم خارجون نصرةً لدينهم ورغبةً في نيل الشهادة، وليس لعددهم وكثرتهم.[٢]


بدء القتال وتناوب القادة

بعد أن استقر الأمر بين المسلمين على مواجهة الروم والبدء بالقتال، التقى الفريقان بمؤتة مع الفرق الشاسع في العدد والعدة، وأخذ زيد بن حارثة -حب رسول الله- الراية وبدأ القتال صوب جيوش الروم بكل ما أوتي من قوة وعزيمة ومعه المسلمون يقاتلون ولم يزل يقاتل حتى أصابته رماح العدو وقُتل -رضي الله عنه-، وكان أول من استشهد في المعركة،[٣] ثمَّ أخذ الراية جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- وقاتل العدو قتالًا ليس له نظير واستمر بالقتال حتى قطعت يمينه، فحمل الراية بشماله حتى قطعت كذلك، فحمل الراية بعضديه حتى وقع شهيدّا؛ فعوّضه الله عن يديه بجناحين في الجنة يطير بهما حيث شاء؛ لذلك لقب بجعفر الطيار، وبعد جعفر الطيار لم تسقط الراية بل حملها بطل ثالث وهو عبد الله بن رواحة فجعل يقاتل على فرسه وقاتل حتى استشهد -رضي الله عنه-.[٢]


الراية إلى سيف من سيوف الله

بعد استشهاد القادة الثلاثة أخذ الراية الصحابي ثابت بن أرقم بن ثعلبة الأنصاري، وسأل المسلمين أن يصطلحوا على رجل منهم ليحمل الراية ويقود المعركة، فاختاروه لكنَّه أبى فاصطلحوا على خالد بن الوليد،[٦] ولم يكن رفض ثابت بن أرقم هروبًا أو خوفًا من العدو ولكن لعلمه بوجود من هو أكفأ منه،[٢] ثمَّ أخذ الراية خالد بن الوليد وقاتل قتالًا شديدًا محاولًا إنقاذ جيش المسلمين من هذا الموقف العصيب؛ وذلك بالانسحاب من أرض المعركة لكن بطريقة معينة ومنظمة، أعاد بها خطة تنظيم الجيش، ومن ثم هجم على جيش الروم وقتل منهم عددًا كبيرًا، وكانت هذه الخطة بمثابة انتصار لجيش المسلمين ومفاداةً لخسائر كبيرة كانت قد تصيبهم.[٧]


نتائج غزوة مؤتة

نهاية المعركة

بعد تغيير خطة المعركة وتغيير تنظيم الجيش من قبل خالد بن الوليد وإيهام العدو بتغيير مراكز المقاتلين؛ بجعل الميمنة ميسرة والميسرة الميمنة، ومقدمته بساقه، ظنَّ المشركون أنَّ جيش المسلمون قد ازداد عددًا فأرهبهم ذلك واشتدَّ قتالهم للمسلمين، وبدأ جيش المسلمون بالانسحاب تدريجيًا مع حفظ نظامهم، ومع ذلك لم يتبعهم جيش الروم أو يطاردهم ظانين منهم أنَّهم بذلك قد يخدعونهم، فعادوا كذلك إلى أرضهم ونجح المسلمون بالانحياز إلى المدينة سالمين.[٣]


عدد قتلى الفريقين

بلغ عدد شهداء المسلمين اثنا عشر رجلًا فقط، وخسائر لا تذكر مقارنة بالنصارى مع أنَّه لم يرد عدد قتلاهم بالتحديد إلا أنَّ خسائرهم كانت كبرى.[٧]


دروس وعبر خاصة في الغزوة

تعدُّ هذه المعركة معركةً مميزةً، فالبرغم من أنَّ عدد المقاتلين في جيش العدو كان أضعاف جيش المسلمين وباعتبار أنَّ النتيجة ستكون بانتصار الجيش الأقوى والأكثر؛ إلا أنّ المسلمون قد حققوا نجاحًا باهرًا، لما قدموه من تضحية وقوة وعزيمة في القتال،[٦] كما أنَّ كل ما حصل في الغزوة يعدُّ معجزةً من المعجزات وكرامةً من الكرامات التي منحها الله تعالى للمسلمين، وهذا دليلٌ على أنَّه -سبحانه وتعالى- معهم وينصرهم ويؤيدهم على أعدائه، وأنَّ دين الإسلام هو المنتصر دائمًا، كما أنَّ هذه المعركة كانت مقدمةً وتمهيدًا لفتوحات المسلمين لبلدان النصارى والروم.[٣]


المراجع

  1. ^ أ ب د. أمين بن عبدالله الشقاوي (2/11/2018)، "غزوة مؤتة (1)"، الألوكة الشرعية، اطّلع عليه بتاريخ 24/5/2021. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت ث الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل (5/11/2007)، "غزوة مؤتة: أحداث ودروس"، الألوكة الشرعية، اطّلع عليه بتاريخ 24/5/2021. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث ج ح صفي الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم، صفحة 387. بتصرّف.
  4. الدكتور راغب السرجاني (6/1/2020)، العظماء-الذين-حملوا-الراية-في-غزوة-مؤته "الأربعة العظماء الذين حملوا الراية في غزوة مؤته"، قصة الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 24/5/2021. بتصرّف.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:4261، (حديث صحيح).
  6. ^ أ ب ت إسلام ويب (31/5/2004)، "غزوة مؤتة"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 23/5/2021. بتصرّف.
  7. ^ أ ب ت إسلام ويب (5/11/2009)، "معركة مؤتة"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 24/5/2021. بتصرّف.