كان فتح مكّة من أبرز وأعظم الأحداث في التاريخ الإسلاميّ، ونقطةً فاصلةً في دعوة النبيّ -عليه الصلاة والسلام-؛ فبعد أن نقضت قريش بنود صلح الحديبية، خرج النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بجيشٍ كبير العدد من المسلمين، واتّجهوا صوب مكّة المكرّمة في السنة الثامنة من الهجرة، ونبّه النبيّ -عليه الصلاة والسلام- جيشه إلى أن لا يقتلوا إلى أشخاصًا معيَّنين أسأوا لدعوة الإسلام، وأن لا يلجأوا للقتال إلّا إذا اضطروا لذلك؛ حفاظًا على حرمة بيت الله الحرام، وقد استسلمت قريش حين رأت جيش المسلمين، ودخل النبيّ -عليه الصلاة والسلام- مكّة منتصرًا فاتحًا متواضعًا لله، وعفا عن أهلها.[١]


قصيدة حسان في فتح مكة

نقل ابن هشام في كتابه السيرة النبويّة، أنّ حسان بن ثابت -رضي الله عنه- أنشد قصيدةً يوم فتح مكّة المكرَّمَة،[٢] وفيما يأتي نصّها.


نصّ قصيدة حسان يوم الفتح

نُقل من شعر حسان بن ثابت -رضي الله عنه أنّه قال يوم فتح مكّة:[٣]

عَفَت ذاتُ الأَصابِعِ فَالجِواءُ

::::إِلى عَذراءَ مَنزِلُها خَلاءُ

دِيارٌ مِن بَني الحَسحاسِ قَفرٌ

::::تُعَفّيها الرَوامِسُ وَالسَماءُ

وَكانَت لا يَزالُ بِها أَنيسٌ

::::خِلالَ مُروجَها نَعَمٌ وَشاءُ

فَدَع هَذا وَلَكِن مَن لَطيفٍ

::::يُؤَرِّقُني إِذا ذَهَبَ العِشاءُ

لِشَعثاءَ الَّتي قَد تَيَّمَتهُ

::::فَلَيسَ لِقَلبِهِ مِنها شِفاءُ

كَأَنَّ خَبيأَةٍ مِن بَيتِ رَأسٍ

::::يَكونُ مِزاجَها عَسَلٌ وَماءُ

عَلى أَنيابِها أَو طَعمُ غَصٍّ

::::مِنَ التُفّاحِ هَصَّرَهُ اِجتِناءُ

إِذا ما الأَشرِباتُ ذُكِرنَ يَوماً

::::فَهُنَّ لِطَيِّبِ الراحِ الفِداءُ

نُوَلّيها المَلامَةَ إِن أَلَمنا

::::إِذا ما كانَ مَغثٌ أَو لِحاءُ

وَنَشرَبُها فَتَترُكُنا مُلوكاً

::::وَأُسداً ما يُنَهنِهُنا اللِقاءُ

عَدِمنا خَيلَنا إِن لَم تَرَوها

::::تُثيرُ النَقعَ مَوعِدُها كَداءُ

يُبارينَ الأَسِنَّةِ مُصغِياتٍ

::::عَلى أَكتافِها الأَسَلُ الظِماءُ

تَظَلُّ جِيادُنا مُتَمَطِّراتٍ

::::تُلَطِّمُهُنَّ بِالخُمُرِ النِساءُ

فَإِمّا تُعرِضوا عَنّا اِعتَمَرنا

::::وَكانَ الفَتحُ وَاِنكَشَفَ الغِطاءُ

وَإِلّا فَاِصبِروا لِجَلادِ يَومٍ

::::يُعينُ اللَهُ فيهِ مَن يَشاءُ

وَقالَ اللَهُ قَد يَسَّرتُ جُنداً

::::هُمُ الأَنصارُ عُرضَتُها اللِقاءُ

لَنا في كُلِّ يَومٍ مِن مَعَدٍّ

::::قِتالٌ أَو سِبابٌ أَو هِجاءُ

فَنُحكِمُ بِالقَوافي مَن هَجانا

::::وَنَضرِبُ حينَ تَختَلِطُ الدِماءُ

وَقالَ اللَهُ قَد أَرسَلتُ عَبداً

::::يَقولُ الحَقَّ إِن نَفَعَ البَلاءُ

شَهِدتُ بِهِ وَقَومي صَدَّقوهُ

::::فَقُلتُم ما نُجيبُ وَما نَشاءُ

وَجِبريلٌ أَمينُ اللَهِ فينا

::::وَروحُ القُدسِ لَيسَ لَهُ كِفاءُ

أَلا أَبلِغ أَبا سُفيانَ عَنّي

::::فَأَنتَ مُجَوَّفٌ نَخِبٌ هَواءُ

هَجَوتَ مُحَمَّداً فَأَجَبتُ عَنهُ

::::وَعِندَ اللَهِ في ذاكَ الجَزاءُ

أَتَهجوهُ وَلَستَ لَهُ بِكُفءٍ

::::فَشَرُّكُما لِخَيرِكُما الفِداءُ

هَجَوتَ مُبارَكاً بَرّاً حَنيفاً

::::أَمينَ اللَهِ شيمَتُهُ الوَفاءُ

فَمَن يَهجو رَسولَ اللَهِ مِنكُم

::::وَيَمدَحُهُ وَيَنصُرُهُ سَواءُ

فَإِنَّ أَبي وَوالِدَهُ وَعِرضي

::::لِعِرضِ مُحَمَّدٍ مِنكُم وِقاءُ

فَإِمّا تَثقَفَنَّ بَنو لُؤَيٍّ

::::جَذيمَةَ إِنَّ قَتلَهُمُ شِفاءُ

أولَئِكَ مَعشَرٌ نَصَروا عَلَينا

::::فَفي أَظفارِنا مِنهُم دِماءُ

وَحِلفُ الحَرِثِ اِبنِ أَبي ضِرارٍ

::::وَحِلفُ قُرَيظَةٍ مِنّا بُراءُ

لِساني صارِمٌ لا عَيبَ فيهِ

::::وَبَحري لا تُكَدِّرُهُ الدِلاءُ


شاعر الرسول: حسان بن ثابت

حسان بن ثابت هو شاعر الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وبهذا اللقب عُرف واشتهر، وكان النبيّ -عليه الصلاة والسلام- في مواقف ومواطن كثيرةٍ يطلب منه إنشاد الشعر، ويؤيّده ويدعو له بالتأييد؛ حيث طلب النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أن يهجو بشعره كفّار قريش ويردّ عليهم، كما رُوي عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قوله: (أجِبْ عن رَسولِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ أيِّدْهُ برُوحِ القُدُسِ)،[٤] وقد نصر حسان -رضي الله عنه- النبيّ -عليه الصلاة والسلام- ودين الإسلام ودافع عنهما بلسانه.[٥]

المراجع

  1. "فتح مكة: الفتح المبين"، قصة الإسلام، 12/1/2011، اطّلع عليه بتاريخ 3/8/2022. بتصرّف.
  2. عبد الملك بن هشام، السيرة النبوية، صفحة 421-424. بتصرّف.
  3. "عفت ذات الأصابع فالجواء"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 3/8/2022. بتصرّف.
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن حسان بن ثابت، الصفحة أو الرقم:6152، حديث صحيح.
  5. أحمد الهاشمي، جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب، صفحة 143. بتصرّف.