كان فتح مكّة المكرّمة من أعظم الأحداث التي حصلت للمسلمين زمن النبيّ -عليه الصلاة والسلام-؛ فقد كان حدثًا مفصليًّا ذا أثرٍ كبيرٍ على انتشار دعوة الإسلام، وقوّة المسلمين ودولتهم، ولهذا الفتح أسبابٌ دعت له، ودفعت النبيّ -عليه الصلاة والسلام- وصحابته -رضي الله عنهم- للخروج إليه، وفيما يأتي بيانٌ لهذه الأسباب، ومزيد تفصيلٍ عن أبرز مجريات وأحداث الفتح.


أسباب فتح مكّة

تمثّل السبب المباشر لخروج النبيّ -عليه الصلاة والسلام- وجيشٍ من الصحابة -رضي الله عنهم- لفتح مكة؛ في نقض قريش لبندٍ من بنود صلح الحديبية، وهو البند المتعلّق بعدم إعانة قريش لأي قبيلةٍ من حلفائها على حرب وقتال القبائل المحالفة للنبيّ -عليه الصلاة والسلام-؛ حيث كانت قبيلة بني بكر في حلف قريش، وقبيلة خزاعة في حلف المسلمين، وبين القبيلتين حربٌ ومناوشاتٌ دائمةٌ؛ فأعانت قريش بني بكر على قتال خزاعة، وقتلت بنو بكر عددًا من رجالات خزاعة، دون أن تراعي حرمةً لبيت الله الحرام، حيث قاتلوا في الحرم وبمساندةٍ من قريش بالسلاح والرجال؛ ممّا دفع النبيّ -عليه الصلاة والسلام- للاستعداد والخروج لفتح مكّة بعد نقض قريش لصلح الحديببية.[١]


مجريات فتح مكّة

بعد أن بلغ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- ما فعلته قريش من نقضها لبنود صلح الحديبية، وما كان من حليفتها بني بكرٍ من انتهاكٍ لحرمة البيت الحرام؛ قررّ النبيّ فتح مكة؛ فخرج بجيشٍ عظيمٍ من المسلمين، وحرص النبيّ -عليه الصلاة والسلام- على التكتّم على وجهته؛ حتى لا يصل الخبر لقريش، لكنّ قريشًا انتبهت لخطر وعاقبة ما قامت به من الغدر وخيانة بنود الصلح؛ فأرسلت أبا سفيان؛ ليفاوض النبيّ -عليه الصلاة والسلام- ويحاول الإبقاء على الصلح، فلم يقبل أحدٌ من الصحابة أن يشفع له عند النبيّ -عليه الصلاة والسلام- للإبقاء على الصلح.[٢]


وكان العباس بن عبد المطلب عمّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قد خرج من مكّة إلى النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، والتحق بصفّ المسلمين، ولقي أبو سفيان؛ فحثّه أن يُسلم، وأنّه لا نجاة له إن بقي على الكفر؛ فأسلم، واستمال النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قلبه، بأن أخبره أنّه من دخل من قريش إلى داره؛ فهو آمنٌ، ومن دخل إلى المسجد الحرام فهو آمنٍ، وقدم أبو سفيان إلى قريش، وأخبرهم بخبر النبيّ -عليه الصلاة والسلام- وجيشه، وأنّه لا طاقةً لهم بمحاربته؛ فأيقنت قريش أنّها لن تقدر على مواجهة النبيّ والمسلمين.[٣]


ودخل النبيّ -عليه الصلاة والسلام- إلى مكّة المكرّمة بجيشٍ قوامه عشرة آلاف مقاتلٍ دخول الفاتح المنتصر، وكان قد أوصى أصحابه بألّا يُقاتلوا أحدًا إلّا إذا اضطُروا إلى ذلك، ونهاهم عن قتل أحدٍ إلّا رجالًا معدودين من قريش؛ لإيذائهم البالغ للمسلمين ودعوة الإسلام وارتداد بعضهم عنه، وما إن دخل النبيّ -عليه الصلاة والسلام- إلى البيت الحرام؛ حتى بدأ بتحطيم الأصنام، وطاف بالبيت الحرام، وخطب في قريشٍ، معلنًا لهم أنّه قد عفا عنهم، وكان يوم الفتح في شهر رمضان من العام الثامن للهجرة. [٢]


نتائج فتح مكة

كانت لفتح مكَّة آثارٌ عظيمةٌ على الإسلام والمسلمين؛ إذ أسهم الفتح في زيادة نفوذ وقوّة المسلمين، وزيادة مهابتهم ومكانتهم بين القبائل العربية، كما كان فتح مكّة سببًا لدخول عددٍ كبيرٍ من أهل قريش ومن القبائل العربيّة الأخرى في الإسلام، وإنقاذ البيت الحرام من أيدي مشركي قريش، وتطهيره من الأصنام والأوثان، وعودة النبيّ -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه -رضي الله عنهم- بعد الفتح إلى المدينة المنوّرة وقد دان لهم أهل مكّة، وأمنوا جانب قريش وعدم عدوانها عليهم.[٤]


المراجع

  1. عبد الرحمن بن وهف القحطاني، غزوة فتح مكة في ضوء السنة المطهرة، صفحة 96-98. بتصرّف.
  2. ^ أ ب عماد الدين خليل، دراسة في السيرة، صفحة 201-214. بتصرّف.
  3. محمد سعيد رمضان البوطي، فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة، صفحة 264-267. بتصرّف.
  4. "فتح مكة"، إسلام ويب، 25/5/2016، اطّلع عليه بتاريخ 8/8/2022. بتصرّف.