غزوة الخندق

وقعت غزوة الخندق في شهر ذي القعدة، في العام الخامس للهجرة، وذلك بعد إخراج المسلمين ليهود بني النضير من المدينة، وإجبارهم على السكن في منطقة خيبر عقاباً لهم على غدرهم وخيانتهم، فامتلأت قلوبهم ومشاعرهم بالغيظ والحقد، فكانوا هم المحرّك لهذه الغزوة، وأخذوا بتجهيز المكائد وحياكة الدسائس والمؤامرات ضد المسلمين في خطة لإنهاء سيطرتهم على المدينة والقضاء عليهم، فكانت أُولى خططهم هي الاستعانة بأهل مكة، وذلك لمعرفتهم بعداوة قريش للمسلمين، وانتظارهم لأي فرصة للقضاء عليهم، بالإضافة للإمكانات العسكرية لديهم، وعلاقتهم الواسعة مع القبائل من حولهم،[١]فسمّيت هذه الغزوة بغزوة الأحزاب لاجتماع الأحزاب ضد المسلمين، وملاقاة المسلمين للابتلاء العظيم بسببهم، فكانت تمحيصاً لهم واختباراً لصبرهم، وكشف المنافقين منهم.[٢]

ما هي أحداث غزوة الخندق؟

تخطيط اليهود للغزوة

انطلق وفدٌ من اليهود بقيادة بني قريظة إلى مكة، وكان منهم حييّ بن أخطب، وسلام بن أبي الحقيق، وأبو عمّار الوائلي، وحرّضوا قريشاً على مهاجمة المسلمين وقتال الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، ووعدوهم إن خرجوا للقتال بأنَّهم سيساندونهم وينصرونهم، ومن شدة غيظهم بالغوا في مدح قريش وجاملوهم على حساب دينهم، فشهدوا لهم بأنَّهم على حق وهدى بالرغم من علمهم بما عليه قريش من شرك وضلال، فأنزل الله تعالى فيهم قوله: {ألَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا}،[٣]فوافق ذلك هوى أهل مكة ووعدوهم بالعودة لقتال النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وذلك بعد الوعد الذي قطعوه في أحد، وتحرّكت رغبتهم في القضاء على الإسلام، ووجدوا في ذلك ردعاً للمسلمين لتعرّضهم لقوافل قريش التجارية.[١]


تجهيز المسلمين للخندق

عَلِم المسلمون بخبر مهاجمة الأحزاب للمدينة، فعقدوا مجلس الشورى للتفكير في خطة لحماية المدينة وأهلها، فأشار عليهم سلمان الفارسي بفكرة حفر الخندق، فوافق النبي -صلّى الله عليه وسلّم- على حفره، وقام المسلمون بحفره في زمن قياسي لا يزيد عن أسبوعين بالرغم من مشقة ذلك وصعوبته.[٤]


وصول الأحزاب وهول المفاجأة

وصلت جيوش الأحزاب من قريش، وبني سليم، وغطفان، وغيرهم إلى حدود المدينة في شهر شوال، وكان عددهم عشرة آلاف، وكانت المفاجأة عظيمة بالخندق الذي لم يسبق للعرب أن عرفوا مكيدة مثله، فقد أعدّوا عدّة لكل ما توقعوا مواجهته إلا هذا الخندق، فحاولوا عبوره واقتحامه بكلّ الطرق، فبدأ المسلمون برشقهم بالنبال لمنعهم من العبور، وعندما نجح بعضهم في العبور منهم؛ عمرو بن عبد ود، وعكرمة بن أبي جهل، وضرار بن الخطاب، تصدّى لهم المسلمون، وبارزوهم حتى قُتل عمرو بن عبد ود على يد علي بن أبي طالب، وهرب بقيتهم، وظلّ المشركون يكررون المحاولة دون جدوى، وتصدت كتيبة أسيد بن حضير المؤلفة من مائتي مسلم لفرقةٍ من الفرسان كان يقودها خالد بن الوليد وردوهم منهزمين.[٢]


خيانة بني قريظة

حاول المشركون اقناع يهود بني قريظة بنقض العهد مع المسلمين والسماح لهم بدخول المدينة، وبالفعل وبعد محاولات من المشركين لم يكتف اليهود بأنَّهم خذلوا المسلمين وتخلوا عنهم في هذا الوقت، بل ظهر غدرهم وخيانتهم بالسماح في طعن المسلمين من ظهرهم، ووصل الخبر إلى أسماع المسلمين، فخافوا على نسائهم وأبنائهم، فأرسل النبي -صلّى الله عليه وسلّم- الزبير، وسعد بن معاذ، وسعد بن عبادة للتأكد من الخبر، فرجعوا وقد تأكدوا من صحة غدر اليهود، فاشتد الكرب على المسلمين، وازداد دعاؤهم وتضرعهم لله تعالى بأن يكشف عنهم هذا الكرب العظيم، وبالفعل هيّأ الله للمسلمين نعيم بن مسعود الذي أسلم ولم يعلم المشركون واليهود بإسلامه، فبدأ بإثارة الشكوك بين الفريقين، ونقل أخبارهم، حتى تزعزعت صفوفهم، وبدأت الأحزاب بالعودة إلى مكة خائبة خاسرة، وتوعد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بتأديب بني قريظة بعد انتهاء الغزوة.[٥]


انتصار المسلمين

بعد أن وقعت الفُرْقة بين المشركين واليهود، وتبدَّدت آمالهم بالنصر على المسلمين، جاء المدد من الله، فبعدما اشتد الحال على المسلمين، وثبتوا في البلاء الشديد، أرسل الله رياحاً هوجاء هتكت القباب، وطيّرت الأوتاد، وأرسل جنوداً تبُث في قلوبهم الفزع، والخوف والرعب، يقول حذيفة بن اليمان عن ليلة الأحزاب: "ما أتت علينا ليلة قطُّ أشد ظلمة ولا أشد ريحًا منها، في أصوات ريحها أمثال الصواعق، وهي ظلمة ما يَرَى أحدنا إِصْبَعه"، فكانت هذه نعمة من الله، ونصرٌ عظيم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا}،[٦] فانطلق المشركين فارّين من هول ما رأوا، وعادوا بخفي حنين وانتهى حصار المدينة بنصر المسلمين، وقذف الرعب في قلوب أعدائهم.[٧]


المراجع

  1. ^ أ ب فريق موقع اسلام ويب (11/7/2007)، "غزوة الخندق...وعبقريّة التفكير"، اسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 29/5/2021. بتصرّف.
  2. ^ أ ب د. راغب السرجاني (17/4/2010)، "غزوة الخندق (غزوة الأحزاب)"، قصة الاسلام، اطّلع عليه بتاريخ 30/5/2021. بتصرّف.
  3. سورة النساء، آية:51
  4. د. راغب السرجاني (17/4/2010)، "حفر الخندق"، قصة الاسلام ، اطّلع عليه بتاريخ 30/5/2021. بتصرّف.
  5. د. إبراهيم بن محمد الحقيل (17/12/2006)، "غزوة بني قريظة الغدر والعقوبة"، شبكة الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 30/5/2021. بتصرّف.
  6. سورة الأحزاب، آية:9
  7. د. محمد زيتون (11/9/2012)، "غزوة الخندق"، شبكة الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 30/5/2021. بتصرّف.