أسباب الهجرة النبوية

كان النبي -صلى الله عليه وسلم- شديد الحب لمكة المكرمة؛ فقد كانت بلده وأوّل دعوته، ومكان مبعثه؛ حتى إنّه لمّا أُخرج منها، وقف على أحد أسواقها مودعاً لها قائلاً: (واللَّهِ إنَّكِ لخيرُ أرضِ اللَّهِ، وأحبُّ أرضِ اللَّهِ إلى اللَّهِ، ولولا أنِّي أُخرِجتُ منكِ ما خرجتُ)؛[١][٢] وهذا يدلّ على عدم رغبته -صلى الله عليه وسلم- بمفارقة وطنه، وترك أهله، ولكنّ الأسباب التي دعت إلى ذلك كانت فوق كل هذه الأمور، ويمكن توضيح أسباب الهجرة النبويّة إلى المدينة المنورة بما يأتي:


الأسباب الدينية

تعدّ الأسباب الدينيّة والعقديّة الأسباب الرئيسيّة في الهجرة النبويّة؛ فقد بقي النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو في مكة ثلاث عشرة سنة متحمّلاً كلّ ما واجهه في تلك المدّة، ويمكن تلخيص الأسباب الدينيّة التي دعت إلى الهجرة بما يأتي:[٣]

  • الخوف من الفتنة في الدين.
  • تكذيب النبي -صلى الله عليه وسلم- وإخراجه من مكة المكرمة.
  • التّخلص من أذى قريش واضطهادها للمسلمين.
  • وجود الدعم والحماية بعد بيعة العقبة الثانية التي كانت بين جمعٍ من الأنصار، وبين النبي -صلى الله عليه وسلم-.
  • صدّ أهل مكة المكرمة عن دعوة الإسلام، وقد ظهر ذلك بقيامهم بالآتي:[٤]
  • السخرية والتحقير من شأن الإسلام والمسلمين.
  • تشويه تعاليم الإسلام.
  • إثارة الشبهات وبث الاتهامات الباطلة بحق النبي -صلى الله عليه وسلم-.
  • الاعتداء على المسلمين، والتخطيط للغدر بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وقتله.


استعداد أهل المدينة لقبول الدعوة

كان أهل المدينة من الأوس والخزرج مستعدين لاستقبال دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وذلك بتهيئة من الله -تعالى- لنفوسهم؛ مما جعلهم يرحبون بالإسلام والدخول فيه بوقت تنكّرت له العديد من القبائل العربية في مكة المكرمة، وعلى رأسهم قريش؛ وقد ساهم في ذلك عدّة أمور نذكر منها:[٥]

  • رقة الطباع واللين؛ وقد كان هذه الصفات علامةً فارقة بين قبائل يثرب وقبائل مكة المكرمة.
  • عدم المغالاة بالكبرياء وجحود الحق.
  • الحروب الداخلية التي عانى أهل المدينة منها، وذاقوا نتائجها الأليمة في تفرقة الصفوف، وتفكيك الجموع.
  • رغبتهم في اجتماع الكلمة، وتوحيد القبائل ولمّ شملهم.
  • قرب عهدهم بالنبوة والأنبياء؛ وذلك بسبب معاشرتهم لليهود في المدينة المنورة، الذين كانوا يتحدثون بما في أيديهم من التوراة، وتبشيرها بنبي يأتي في آخر الزمان.
  • اطلاعهم على المفاهيم الدينيّة والسنن الإلهيّة التي ألفوها من أهل الكتاب؛ فلمّا جاء الإسلام استقبلته نفوسهم بكل قبول.


السعي لإقامة الدولة الإسلامية

أدرك النبي -صلى الله عليه وسلم- عِظَم المسؤولية التي تقع على عاتقه تجاه الدعوة الإسلامية؛ لكون رسالته -صلى الله عليه وسلم- رسالةً عالميةً، تحتاج إلى كيان مستقل، سياسياً واجتماعياً ومادياً وعسكرياً؛ يسمح بنشر الدعوة وإذاعة الحق؛ عندها أراد النبي تأسيس دولة الإسلام في مجتمع داعمٍ لها، لا يسعى لسحقها أو تفتيت كيانها؛ لذلك وجد النبي -صلى الله عليه وسلم- في الهجرة النبويّة إعانةً على تأسيس وإقامة هذه الدولة.[٦]


الهجرة من سنن الأنبياء

إنّ المطلع على سير الأنبياء السابقين -عليهم السلام- يجد أنّ الهجرة كانت من سننهم، وذلك بعد صبرهم وتحمّلهم صنوف الأذى والعذاب؛ فإبراهيم -عليه السلام- اعتزل أباه وقومه، وترك أرض الكفر وخرج منها مع زوجته راغباً إلى الله -تعالى-، وكذلك حال موسى -عليه السلام- عندما خرج ببني إسرائيل من أرض فرعون وجنده الطغاة؛ أمّا بالنسبة للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه؛ فقد كانت هجرتهم بعد أن لم يبقَ لهم طاقة بقومهم، فخرجوا إخلاصاً لله -تعالى- ورغبة في دينه، وبهذا فإنّ الرسل والأنبياء -عليهم السلام- كانوا يهاجرون بعد تحمّل الصعاب والمشاق، فيُبدلهم الله -تعالى- بأحسن مما كانوا فيه.[٧]


تبشير النبي لأصحابه بالهجرة

بعد إعلان الدعوة جهراً واجه المسلمون الكثير من الصدود والإقصاء من قبل قريش، حتى ضاق بهم الحال في مكة المكرمة، وأخذوا يشتكون للنبي -صلى الله عليه وسلم- تعنّت المشركين وأذاهم؛ فكان يُصبّرهم ويخفف عنهم، حتى جاءهم النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات مرة مبشراً بالهجرة إلى المدينة؛ فقد رأى في منامه دار الهجرة حيث قال لأصحابه: (إنِّي أُرِيتُ دارَ هِجْرَتِكُمْ، ذاتَ نَخْلٍ بيْنَ لابَتَيْنِ وهُما الحَرَّتانِ)،[٨] يقصد بذلك المدينة المنورة؛ وهنا خرج المسلمون فرادى وجماعات، سراً وعلانيةً يقصدون المدينة المنورة، فرحين بإذن الله لهم بالهجرة إلى دار يَأمَنُونَ فيها، ويستقبلهم أهلهم فيها بكل بهجة وإيثار.[٩]


وقد سبق هذه الهجرة هجرة إلى الحبشة؛ حيث أذن النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة في السنة الخامسة للبعثة، وقد كانوا قلة قليلة من المؤمنين المستضعفين يومئذ، فلجأوا إلى الحبشة، لأنّ ملكها النجاشي كان معروفاً بعدله وإنصافه.[١٠]

المراجع

  1. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبدالله بن عدي بن الحمراء ، الصفحة أو الرقم:3925، صححه الألباني.
  2. ابن تيمية، مسألة فى المرابطة بالثغور أفضل أم المجاورة بمكة شرفها الله تعالى، صفحة 25-26. بتصرّف.
  3. محمد بن صامل السلمي، صحيح الأثر وجميل العبر من سيرة خير البشر صلى الله عليه وسلم، صفحة 155. بتصرّف.
  4. سعيد بن وهف القحطاني، رحمة للعالمين، صفحة 210. بتصرّف.
  5. أبي الحسن الندوي، السيرة النبوية، صفحة 226-228. بتصرّف.
  6. عبد الرحمن علي الحجي، السيرة النبوية منهجية دراستها واستعراض أحداثها، صفحة 320. بتصرّف.
  7. عطية سالم، دروس الهجرة، صفحة 13، جزء 3. بتصرّف.
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:3905، صحيح.
  9. محمد أبو شهبة، السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة، صفحة 458، جزء 1. بتصرّف.
  10. علاء الدين مغلطاي، الإشارة إلى سيرة المصطفى وتاريخ من بعده من الخلفا، صفحة 116-117. بتصرّف.