ابتلاء الأنبياء

اختار الله -سبحانه وتعالى- أنبياءه -عليهم أفضل الصلاة والسلام- واصطفاهم ليكونوا رسله للبشرية جميعها لنشر رسالة واحدة وهي توحيده -سبحانه وتعالى-، وفضّلهم الله -عزَّ وجلّ- على جميع خلقه وأكرمهم، ومع ذلك كانوا أكثر الخلق ابتلاءً وتعرّضًا للمصائب،[١] فكل رسول ونبي خاض نوعًا من أنواع الابتلاء شأنه شأن البشر أجمعين، فمنهم من ابتُلي في جسده وصحته كالنبيّ أيوب -عليه السلام- الذي أصابته شتى الأمراض كما أنه ابتُلي في أولاده، ونبي الله إبراهيم الذي ابتُلي بإلقاءه بالنار وبقتل ابنه اسماعيل، والنبي محمد -صلى الله عليه وسلّم- الذي تعرّض لأشكال عدّة من البلاء الذي يمكن أن يتعرّض له أيُّ إنسان من تعذيب واضطهاد وسحر ومحاولة قتله بالسمِّ وغيرها الكثير، وقد كان -صلّى الله عليه وسلّم- يواجه كل ذلك بالصبر،[٢] وكل هذه الابتلاءات التي أصابت الرسل والأنبياء لم تكن ذات تأثير على نبوتهم ورسالتهم ولم يعصمهم الله منها بل عصمهم من كل ما يمنع وصول الرسالة للناس.[٣]


قصة السم الذي وضع للرسول

بعد الحقد الذي تولّد لدى اليهود للمسلمين جرّاء فتح خيبر، بدأوا بالتخطيط فيما بينهم محاولين قتل الرسول -عليه الصلاة والسلام-، واختاروا للقيام بهذه الخطة المشينة اليهودية زينب بنت الحارث زوجة سلّام بن مشكم اليهودي، والتي قامت بشوي شاه ووضعت فيها سمّ وأكثرت منه في ذراع الشاه لأنَّه أكثر عضو يحبه الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، ثمَّ قدمتها له على سبيل الهدية، وأكل منها هو والصحابي بشر بن البراء بن معرور الأنصاري،[٤] وورد ذلك في صحيح مسلم لما روي عن أنس بن مالك أنه قال: (أنَّ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً أَتَتْ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بشَاةٍ مَسْمُومَةٍ، فأكَلَ منها، فَجِيءَ بهَا إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَسَأَلَهَا عن ذلكَ؟ فَقالَتْ: أَرَدْتُ لأَقْتُلَكَ، قالَ: ما كانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطَكِ علَى ذَاكِ قالَ: أَوْ قالَ، عَلَيَّ قالَ قالوا: أَلَا نَقْتُلُهَا؟ قالَ: لَا، قالَ: فَما زِلْتُ أَعْرِفُهَا في لَهَوَاتِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ. وفي روايةٍ : أنَّ يَهُودِيَّةً جَعَلَتْ سَمًّا في لَحْمٍ، ثُمَّ أَتَتْ به رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ).[٥]


تأثير السم على الرسول

وبعد أكل النبي للشاه المسمومة أحسَّ بشيء غير مستساغ، ثمَّ حصلت المعجزة الإلهية وأخبرت الشاه الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنَّها مسمومة فتوقف عن أكلها، أمَّا بشر بن البراء فقد توفي مباشرة بعد أكلها من أثر السم، وفي ذلك بيان حفظ الله تعالى لنبيه وعصمته من الناس كلهم، ومن ثمَّ دعا النبي زينب بنت الحارث واعترفت بفعلتها،[٦] لمّا جاء في الحديث عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في صحيح البخاري أنَّه قال: (قالَ لهمْ: فَهلْ أنتُمْ صَادِقِيَّ عن شيءٍ إنْ سَأَلْتُكُمْ عنْه قالوا: نَعَمْ، فَقالَ: هلْ جَعَلْتُمْ في هذِه الشَّاةِ سَمًّا؟ فَقالوا: نَعَمْ، فَقالَ: ما حَمَلَكُمْ علَى ذلكَ فَقالوا: أرَدْنَا: إنْ كُنْتَ كَذَّابًا نَسْتَرِيحُ مِنْكَ، وإنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ)،[٧] وعفا رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عن المرأة اليهودية إلا أنَّه أمر بعد ذلك بقتلها لموت البشر بن البراء متأثرًا بالسم الذي وضعته، واستمر ألم السمّ على الرسول -صلى الله عليه وسلم- حتى وافته المنية،[٦] وروي أنَّه أخبر عائشة أم المؤمنين في مرض موته: (يا عائشةُ ما أزالُ أجِدُ ألم الطعامِ الذي أَكَلْتُ بخيبرَ، فهذا أوانُ وجدتُّ انقطاعَ أَبْهَرِي مِنْ ذلِكَ السُّمِّ).[٨]


المراجع

  1. يحيى البوليني (2014)، "ابتلاء الأنبياء وأسلوبهم في مواجهته - دروس وعبر"، المسلم، اطّلع عليه بتاريخ 29/6/2021. بتصرّف.
  2. جلال عبدالله المنوفي (1/2/2017)، "ابتلاءات بعض الأنبياء و الرسل .. في القرآن الكريم "، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 29/6/2021. بتصرّف.
  3. عبد الله بن عبد العزيز العقيل (3/9/2008)، "ما ورد في سحر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم "، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 29/6/2021. بتصرّف.
  4. "أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشاة المسمومة 7هـ"، مع الحبيب، اطّلع عليه بتاريخ 24/6/2021. بتصرّف.
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:2190، (حديث صحيح).
  6. ^ أ ب إسلام ويب (4/3/2012)، "الشاة المسمومة"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 24/6/2021. بتصرّف.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:5777، (حديث صحيح).
  8. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:7929، (حديث صحيح).