غار ثور

غار ثور هو الغار الذي لجأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر رضي الله عنه في أول أيام هجرتهما إلى المدينة، وقد سمي الغار باسم الجبل، إذ يقع جبل ثور إلى الجنوب من مكة المكرمة، حيث قصده رسول الله لتضليل قريش؛ فالمدينة تقع إلى الشمال من مكة، ولكن قريش بحثوا عن الرسول الكريم في كل مكان، واقتصوا أثره، وقد أدركوه في غار ثور، إلا أن الله بفضله أعمى قريشاً عن الرسول وصاحبه، ولم يروهم في الغار، وقد ورد في ذلك حديث عن عائشة أم المؤمنين وحديث آخر عن أبي بكر الصديق فيهما تفصيل لبعض الأحداث، وخلال هذا المقال سوف نستعرض هذين الحديثين، ونوضح أبرز ما جاء فيهما.[١]


قصة الرسول في غار ثور بحديث عائشة أم المؤمنين

(هَاجَرَ نَاسٌ إلى الحَبَشَةِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وتَجَهَّزَ أبو بَكْرٍ مُهَاجِرًا، فَقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: علَى رِسْلِكَ؛ فإنِّي أرْجُو أنْ يُؤْذَنَ لي، فَقالَ أبو بَكْرٍ: أوَتَرْجُوهُ بأَبِي أنْتَ؟ قالَ: نَعَمْ. فَحَبَسَ أبو بَكْرٍ نَفْسَهُ علَى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِصُحْبَتِهِ، وعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ. قالَ عُرْوَةُ: قالَتْ عَائِشَةُ: فَبيْنَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ في بَيْتِنَا في نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، فَقالَ قَائِلٌ لأبِي بَكْرٍ: هذا رَسولُ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- مُقْبِلًا مُتَقَنِّعًا. في سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا، قالَ أبو بَكْرٍ: فِدًا لكَ أبِي وأُمِّي، واللَّهِ إنْ جَاءَ به في هذِه السَّاعَةِ إلَّا لِأمْرٍ، فَجَاءَ النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فَاسْتَأْذَنَ، فأَذِنَ له فَدَخَلَ، فَقالَ حِينَ دَخَلَ لأبِي بَكْرٍ: أخْرِجْ مَن عِنْدَكَ، قالَ: إنَّما هُمْ أهْلُكَ بأَبِي أنْتَ يا رَسولَ اللَّهِ. قالَ: فإنِّي قدْ أُذِنَ لي في الخُرُوجِ، قالَ: فَالصُّحْبَةُ بأَبِي أنْتَ وأُمِّي يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: نَعَمْ. قالَ: فَخُذْ -بأَبِي أنْتَ يا رَسولَ اللَّهِ- إحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ، قالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: بالثَّمَنِ. قالَتْ: فَجَهَّزْنَاهُما أحَثَّ الجِهَازِ؛ وضَعْنَا لهما سُفْرَةً في جِرَابٍ، فَقَطَعَتْ أسْمَاءُ بنْتُ أبِي بَكْرٍ قِطْعَةً مِن نِطَاقِهَا، فأوْكَأَتْ به الجِرَابَ، ولِذلكَ كَانَتْ تُسَمَّى ذَاتَ النِّطَاقِ. ثُمَّ لَحِقَ النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- وأَبُو بَكْرٍ بغَارٍ في جَبَلٍ يُقَالُ له: ثَوْرٌ، فَمَكُثَ فيه ثَلَاثَ لَيَالٍ، يَبِيتُ عِنْدَهُما عبدُ اللَّهِ بنُ أبِي بَكْرٍ، وهو غُلَامٌ شَابٌّ لَقِنٌ ثَقِفٌ، فَيَرْحَلُ مِن عِندِهِما سَحَرًا، فيُصْبِحُ مع قُرَيْشٍ بمَكَّةَ كَبَائِتٍ، فلا يَسْمَعُ أمْرًا يُكَادَانِ به إلَّا وَعَاهُ، حتَّى يَأْتِيَهُما بخَبَرِ ذلكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلَامُ، ويَرْعَى عليهما عَامِرُ بنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أبِي بَكْرٍ مِنْحَةً مِن غَنَمٍ، فيُرِيحُهَا عليْهما حِينَ تَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنَ العِشَاءِ، فَيَبِيتَانِ في رِسْلِهِما حتَّى يَنْعِقَ بهَا عَامِرُ بنُ فُهَيْرَةَ بغَلَسٍ، يَفْعَلُ ذلكَ كُلَّ لَيْلَةٍ مِن تِلكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثِ.)[٢]


تروي السيدة عائشة في هذا الحديث، أن أبا بكر همّ بالهجرة بعد أن هاجر المسلمون، ولكن رسول الله قال له أن يتريث لعل الله يأذن له بالهجرة، ففرح أبو بكر بتشريفه بصحبة النبي بالهجرة، ولما أذن الله لرسوله بالهجرة، انطلقا جنوبًا إلى جبل ثور حيث أقاما في الغار ثلاث ليالٍ، وكان أبو بكر رضي الله عنه، قد طلب من ابنه عبد الله أن يسمع أخبار قريش وما يدبرون في النهار، ويبيت عندهما في الغار يحدثهما بما سمع من أمر قريش.[٣][١]


كذلك كان عامر بن فُهيرة مولى أبي بكر يرعى الغنم في النهار، وإذا اقترب العشاء يذهب إليهما في غار جبل ثور، ويسقيهما من اللبن ما شاء الله أن يسقيهما، ثم في الصباح يرتحل هو وعبدالله، وبقيا على ذلك ثلاث ليالٍ.[٣][١]


قصة رسول الله في غر ثور بحديث أبي بكر الصديق

روي عن أبي بكر الصديق حديث صحيح فيه أنه لما اقترب المشركون من الغار، وكانوا شديدي القرب من الرسول الكريم وصاحبه، قال أبو بكر لرسول الله: "لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا" فقال له صلى الله عليه وسلم: "ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما؟"[٤]، وقد أشير لهذه الحادثة في القرآن الكريم أيضًا، وذلك في الآية الكريمة (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة: آية 40]


ويذكر أنه وردت بعض الأحاديث الضعيفة التي تخبر بأن بيتًا للعنكبوت وحمامتين كانت على باب الغار حين نظر المشركون فيه، فظنوا أنه لا أحد في الغار، وقد ضعّف علماء الحديث هذه الأحاديث، ومن أبرزهم الألباني وابن كثير، وكما أشارت الآية الكريمة من سورة التوبة، إن الله تعالى أيد رسوله بجنود وحده -سبحانه وتعالى- يعلمها.[٣]


المراجع

  1. ^ أ ب ت محمد الطيب النجار، كتاب القول المبين في سيرة سيد المرسلين، صفحة 176. بتصرّف.
  2. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:5807، صحيح.
  3. ^ أ ب ت "مبيت الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر في غار ثور"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 21/10/2023.
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو بكر الصديق، الصفحة أو الرقم:3653، صحيح.