غزوة أحد

حدثت في شهر شوال من العام الثالث للهجرة، بين المسلمين والمشركين من قريش ومَن معها بقيادة أبي سفيان، وقد سميت بهذا الاسم نسبة إلى جبل أحد، الذي دارت المعركة عنده بالقرب من المدينة، وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم،[١] قال -تعالى-: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}،[٢] وقد كان النصر حليف المسلمين في بدايتها، لكن الموازين انقلبت في نهايتها بسبب مخالفة بعض المسلمين لأوامر النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد استُشهد في هذه الغزوة سبعون شهيداً من خيرة الصحابة، وقد تنبأ النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذه الغزوة قبل حدوثها، وتنبأ بالهزيمة التي ستلحق بالمسلمين فيها، جاء في الحديث: (رَأَيْتُ في رُؤْيايَ أنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا فانْقَطَعَ صَدْرُهُ، فإذا هو ما أُصِيبَ مِنَ المُؤْمِنِينَ يَومَ أُحُدٍ)،[٣] وقد كانت غزوة أحد درساً مهماً للمسلمين، وعبرةً كبيرةً لهم.[٤][٥]


سبب غزوة أحد

كان سبب غزوة أحد هو الهزيمة الساحقة التي لحقت بالمشركين في غزوة بدر، وما شعروا به من ذل وصغار، فأرادوا أن ينتقموا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وأن يُذهبوا غيظ صدورهم، ويُطفؤوا نار الحقد التي ملأت قلوبهم، وأن يثأروا لمن قُتل من أسيادهم في بدر، فقرروا الحرب على المسلمين، وأخذوا يعدون العدة لذلك، ويحرضون القبائل الأخرى لكي تشارك معهم، وقد أنزل الله -تعالى- فيهم قوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ}،[٦] وقد كان عدد جيش المشركين قرابة ثلاثة آلاف مقاتل.[٧][٨]


استعداد المسلمين للمعركة

بعدما وصل خبر المشركين ونيتهم الحرب على المسلمين إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بدأ بالتجهز للحرب والاستعداد للقتال، وأمر أصحابه بذلك، وقد كان أول وصولٍ لخبر المشركين عن طريق العباس بن عبد المطلب، فتأهب الرسول -صلى الله عليه وسلم- والصحابة للقتال وللدفاع عن المدينة، ولبسوا دروعهم وحملوا أسلحتهم حتى في صلواتهم خوفاً من مباغتة المشركين لهم، وحرس الصحابة المدينة ليلاً ونهاراً من كل جوانبها، كما حرسوا بيت رسول الله -صلّى الله عليه وسلم-.[٩][١٠]


مشاورة النبي لأصحابه

شاور النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه في أمر القتال، فأشار عليه أغلبهم بالخروج لملاقاة العدو خارج المدينة، فوافقهم على رأيهم، مع أنَّه كان يرى أنَّ البقاء في المدينة والتحصّن بها وصد العدوان من داخلها أفضل، وذلك لما رآه في الرؤيا، جاء في الحديث: (رأيتُ كأني في دِرْعٍ حصينةٍ، ورأيتُ بقَرًا تُنْحَرُ، فأوَّلْتُ أنَّ الدِّرْعَ الحصينةَ المدينةُ، وأنَّ البقرَ نَفَرٌ، واللهِ خيرٌ)،[١١] فلَبِس -صلى الله عليه وسلم- درعين واستعد للخروج للقتال، فندم الصحابة على عدم الأخذ برأيه، وقالوا له: (يا رسولَ اللهِ، أقِمْ، فالرأيُ رأيُكَ، فقال: ما يَنْبغي لنبيٍّ أنْ يضَعَ أداتَه بعدَ أنْ لبِسَها، حتى يحكُمَ اللهُ بينَه وبينَ عدُوِّه)،[١٢] وكان عدد جيش المسلمين قرابة ألف مقاتل.[١٣][١٤]


خروج الجيش وانسحاب المنافقين

خرج جيش المسلمين من المدينة للقاء العدو، وقد كان سعد بن عبادة وسعد بن معاذ يسيران في المقدمة، وقد استخلف النبي -صلى الله عليه وسلم- عبد الله بن أم مكتوم واستأمنه على المدينة وعلى إقامة الصلاة فيها، فلما وصل الجيش إلى منتصف الطريق بين المدينة وأحد، انسحب المنافقون من الجيش وعلى رأسهم عبد الله بن أبي بن سلول، وكانوا قرابة ثلاثمائة مقاتل، وقد أنزل الله -تعالى- فيهم قوله: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ۚ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا ۖ قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّاتَّبَعْنَاكُمْ ۗ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ ۚ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ}،[١٥] وقد بقي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يقرب من سبعمائة مقاتل.[١٤][١٦]


أحداث المعركة

تنظيم الصفوف

عندما وصل جيش المسلمين إلى أرض المعركة، بدأ النبي -صلى الله عليه وسلم- بحثِّ أصحابه على القتال ووعظهم وتنظيم صفوفهم، فأمَّر عبد الله بن جبير على خمسين رامٍ من رماة السهام، وأمرهم بالتمركز والثبات على جبل صغير وعدم مغادرة مكانهم مهما حصل، جاء في الحديث: (إنْ رَأَيْتُمُونَا تَخْطَفُنَا الطَّيْرُ فلا تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ، هذا حتَّى أُرْسِلَ إلَيْكُمْ، وإنْ رَأَيْتُمُونَا هَزَمْنَا القَوْمَ وأَوْطَأْنَاهُمْ، فلا تَبْرَحُوا حتَّى أُرْسِلَ إلَيْكُمْ)،[١٧] وجعل على ميمنة الجيش المنذر بن عمرو، وعلى الميسرة الزبير بن العوام والمقداد بن عمرو.[١٨]


بدء القتال وانتصار المسلمين

التقى الجيشان وبدأ القتال بينهما واشتدت المعركة وحمي وطيسها، فكانت الغلبة للمسلمين، الذين قاتلوا بشجاعة وبسالة، وقتلوا عدداً كبيراً من المشركين، حتى سقط لواء المشركين بعد سقوط حملته واحداً تلو الآخر، وقد قاتل حمزة بن عبد المطلب قتال الأبطال، وكذلك قاتل علي والزبير وسعد بن أبي وقاص وغيرهم، وأبلوا بلاءً حسنًا، وبدأت بشائر الانتصار تلوح في الأفق.[١٩]


خطأ الرماة وانقلاب الموازين

عندما رأى الرماة انتصار المسلمين في المعركة طمعوا في الغنائم وغرتهم زينة الدنيا، فخالفوا أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- ونزلوا عن الجبل، ولم يستمعوا لتذكير قائدهم عبد الله بن جبير، الذي ذكرهم بأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- فنزل أربعون منهم وبقي عبد الله ومعه تسعة فقط، فكانت هذه هي الغلطة التي قلبت موازين المعركة وكشفت ظهر المسلمين، فالتف عليهم المشركون من خلف الجبل بقيادة خالد بن الوليد وأوقعوا فيهم الهزيمة، حتى كاد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يقتل، لولا شجاعته وبسالة أصحابه والتفافهم حوله يذودون عنه ويفدونه بأرواحهم.[٢٠]


المراجع

  1. ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، صفحة 65. بتصرّف.
  2. سورة آل عمران، آية:121
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم:7041، حديث صحيح.
  4. ابراهيم العلي، صحيح السيرة النبوية، صفحة 202. بتصرّف.
  5. أحمد غلوش، السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني، صفحة 320. بتصرّف.
  6. سورة الأنفال، آية:36
  7. موسى العازمي، اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون، صفحة 564. بتصرّف.
  8. ابن هشام، السيرة النبوية، صفحة 60. بتصرّف.
  9. المباركفوري، الرحيق المختوم، صفحة 226. بتصرّف.
  10. العازمي، اللؤلؤ المكنون، صفحة 567. بتصرّف.
  11. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم:3476، حديث صحيح.
  12. رواه ابن حجر العسقلاني، في فتح الباري لابن حجر، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:353، حديث إسناده حسن.
  13. ابن هشام، السيرة النبوية، صفحة 62. بتصرّف.
  14. ^ أ ب المباركفوري، الرحيق المختوم، صفحة 228. بتصرّف.
  15. سورة آل عمران، آية:167
  16. العازمي، اللؤلؤ المكنون، صفحة 578. بتصرّف.
  17. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم:3039، حديث صحيح.
  18. العازمي، اللؤلؤ المكنون، صفحة 582. بتصرّف.
  19. محمد أبو شهبة، السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة، صفحة 193. بتصرّف.
  20. المباركفوري، الرحيق المختوم، صفحة 239. بتصرّف.