العباس بن عبد المطلب

هو الصحابي الجليل عَمُّ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، أبو الفضل العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وُلد قبل مولد النبي -صلى الله عليه وسلم- بسنتين، وقيل بثلاث سنين، أُمه نتلة وقيل نُتيلة بنت خباب، وقيل بأنها كانت أول امرأة عربية تكسو الكعبة بالحرير والديباج، وذلك أن ابنها العباس ضاع وهو صغير، فنذرت أن تكسو الكعبة إن وجدته، فلما وجدته أوفت بنذرها، وكان العباس -رضي الله عنه- أكثر الناس مُناصرةً للنبي -صلى الله عليه وسلم- بعد وفاة أبي طالب، وله مواقف عظيمة في ذلك، قبل إسلامه وبعده، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُحِبُّهُ ويُجِلُّهُ، ويُكرمه ويهتم لأمره، ويغضبُ لغضبه، حتى قال في حقه: (يا أَيُّها الناسُ! من آذى عَمِّي فقد آذاني، فإنما عَمُّ الرجلِ صِنْوُ أبيهِ).[١][٢]


صفات العباس

كان العباس -رضي الله عنه- يتمتع بصفات عظيمة في الخَلْق والخُلُق، فكان أبيض اللون، جميلاً، طويلاً، ناعم الجلد، جهوري الصوت، وكان ذا هيبة وسيادة، ومجدٍ وشرف، وذكاء وفطنة، أما أخلاقه فهي الجود والكرم، والحلم والشجاعة، وبذل المعروف وصلة الرحم، والإحسان، وغيرها من مكارم الأخلاق ومحاسن الخصال والأفعال.[٣]


محطات من حياة العباس بن عبد المطلب

العباس في الجاهلية

كان العباس في الجاهلية من زعماء قريش وسادتها المُطاعين، وكان مسؤولاً عن السقاية والعمارة في المسجد الحرام، وكان لا يسمح لأحد بالسبّ أو الشتم أو الكلام البذيء في الحرم، ويدعو الناس إلى الخير والطيب من القول، ويجبرهم على ذلك في الحرم، وكان الناس يطيعونه، وكان له أعوان من رجال قريش، يساعدونه في ذلك الأمر.[٤]


العباس في بيعة العقبة الثانية قبل إسلامه

كان للعباس قبل إسلامه موقف عظيم في نصرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، حيث حضر معه بيعة العقبة الثانية، مع أنه لم يكن مسلماً في ذلك الوقت، لكنه أراد أن يكون مع ابن أخيه خوفاً عليه، ونُصرةً وتوثقاً له، فتكلم قبله، وقال للحاضرين: (يا معشَرَ الخَزرَجِ إنَّ محمَّدًا منَّا حيثُ قد علِمتُم، وقد منَعناهُ مِن قومِنا مِمَّنْ هو علَى مثلِ رأينا فيهِ، فهو في عزَّةٍ من قومِه ومنَعَةٍ في بلدِهِ، وإنَّهُ قد أبى إلَّا الانحيازَ إليكُم واللُّحوقَ بكُم، فإن كنتُم تَرَونَ أنَّكُم وافونَ لهُ بما دَعوتُموه إليهِ، ومانِعوهُ ممَّن خالَفَهُ، فأنتُم وما تحمَّلتُم من ذلكَ!! وإِن كنتُم ترَون أنَّكُم مُسلِموهُ وخاذِلوهُ بعدَ الخروجِ إليكُم، فمِنَ الآنَ فدَعوهُ فإنَّهُ في عزَّةٍ ومنعَةٍ مِن قومِهِ وبلَدِهِ).[٥][٦]


إسلام العباس

اختُلف في تاريخ إسلام العباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه-، فقيل أنه أسلم قبل الهجرة النبوية، ولكنه لم يُظهر إسلامه، وبقي في مكة يخفي إسلامه حتى فتح مكة،[٧] وكان يُرسل أخبار قريش إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- سراً، ثم هاجر إلى المدينة قبل فتح مكة بقليل،[٨] وقيل أنه أسلم قبل فتح خيبر، وقيل قبل غزوة بدر، ورُوي بأنه كان يريد أن يهاجر من مكة ويلحق بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، لكنه أمره بالبقاء فيها، كي يزوده بأخبار المشركين.[٩]


العباس أسيراً عند المسلمين

رُوي بأن العباس خرج مع المشركين مُكرَهاً يوم بدر، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعلم ذلك، فأوصى أصحابه بألا يقتلوا العباس إذا التقوا به، لأنه خرج مُكرهاً، فأُخِذَ العباس أسيراً بعد انتهاء المعركة، وشدَّ الصحابة وثاقه، فكان يئن من الألم، فسمع النبي -صلى الله عليه وسلم- صوت أنينه، فلم ينم الليل حُزناً عليه، فلما عرف الصحابةُ حُزن النبي -صلى الله عليه وسلم- على عمّه، أرخوا وثاقه، فأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن يُرخوا وثاق جميع الأسرى أيضاً، ثم افتدى العباس نفسه، وافتدى ابني أخويْه بماله، وعاد إلى مكة.[١٠]


هجرته

خرج العباس من مكة بأهله وعياله مهاجراً إلى المدينة المنورة، قبيل فتح مكة بقليل، فكان من أواخر المهاجرين، وقد التقى بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وبجيش المسلمين عند منطقة الجحفة، وفرح النبي -صلى الله عليه وسلم- بقدومه فرحاً عظيماً.[١١]


جهاد العباس وثباته يوم حنين

شهد العباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه- فتح مكة وحُنين والطائف وتبوك،[١٢] وكان له موقف عظيم في غزوة حُنين، فعندما انهزم الناس وتركوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أرض المعركة، ثبت العباس مع قلة قليلة حول الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وكان العباس يمسك بخطام بغلة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويقف أمامها لحمايته من الأعداء، ثم صاح بالمسلمين منادياً أصحاب السمُرة، فتجمعوا حول النبي -صلى الله عليه وسلم- مرة أخرى، وقاتلوا حتى نصرهم الله.[١٣]


استسقاء المسلمين بالعباس

كان للعباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه- مكانةٌ جليلةٌ عند الصحابة -رضي الله عنهم-، حتى أن عمر وعثمان -رضي الله عنهما- كانا ينزلان عن فرسيهما إذا مر العباس من أمامهما إجلالاً له،[١٤] وكان عمر -رضي الله عنه- إذا أصابهم القحط يستسقي بالعباس، لما يعرفه من صلاحه وفضله وتقواه، جاء في الحديث: (أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، كانَ إذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بالعَبَّاسِ بنِ عبدِ المُطَّلِبِ، فَقالَ: اللَّهُمَّ إنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إلَيْكَ بنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، وإنَّا نَتَوَسَّلُ إلَيْكَ بعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا، قالَ: فيُسْقَوْنَ).[١٥][١٦]


وفاة العباس

توفي -رضي الله عنه- في المدينة المنورة سنة اثنتين وثلاثين للهجرة، وبلغ عمره ستةً وثمانين عاماً، وقد حضر غسله وصلى عليه أمير المؤمنين عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، ودُفن بالبقيع، وحضر جنازته جمعٌ عظيمٌ من المسلمين.[١٧]


المراجع

  1. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبدالمطلب بن ربيعة بن الحارث، الصفحة أو الرقم:3758، حسن صحيح.
  2. ابن عبد البر، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، صفحة 810-813. بتصرّف.
  3. الذهبي، سير أعلام النبلاء، صفحة 79-80. بتصرّف.
  4. ابن عبد البر، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، صفحة 811. بتصرّف.
  5. رواه الألباني، في فقه السيرة، عن كعب بن مالك ، الصفحة أو الرقم:149، حديث صحيح.
  6. ابن هشام، السيرة النبوية، صفحة 441. بتصرّف.
  7. الذهبي، سير أعلام النبلاء، صفحة 78. بتصرّف.
  8. ابن حجر العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة، صفحة 511. بتصرّف.
  9. ابن عبد البر، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، صفحة 812. بتصرّف.
  10. ابن عبد البر، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، صفحة 812-811. بتصرّف.
  11. موسى العازمي، اللؤلؤ المكنون، صفحة 32. بتصرّف.
  12. ابن عبد البر، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، صفحة 812. بتصرّف.
  13. ابن هشام، السيرة النبوية، صفحة 444-445. بتصرّف.
  14. ابن عبد البر، الاستيعاب، صفحة 814. بتصرّف.
  15. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:1010، حديث صحيح.
  16. ابن سعد، الطبقات الكبرى، صفحة 29. بتصرّف.
  17. الذهبي، سير أعلام النبلاء، صفحة 100-101. بتصرّف.