وُلد الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- ونشأ في مكة المكرمة، فترّبى فيها وشَهِدَ العديد من الأحداث والوقائع فيها منها: انعقاد حلف الفضول الذي يُعتبر دليلاً على مكارم الأخلاق التي كانت تتحلّى بها العرب قديماً،[١] كما أنّه كان دليلاً على وجود أشخاص يحملون الأخلاق الحميدة والنبل والشهامة ومساعدة الآخرين رغم ما كانت تحمله الجاهلية أيضاً من الشرور والمظالم، فقد ظهر الرجال المتصفون بالعدالة ودفع الظلم عن المظلومين والدعوة للخير في كلّ وقتٍ وحينٍ.[٢]


معنى حلف الفضول

حلف الفضول هو: المعاهدة التي عُقدت بين قبائل قريش قبل بعثة الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- بعشرين سنةٍ تقريباً، وضمّ كلاً من بني هاشم وبني المطلب وأسد بن عبد العزّى وزهرة بن كلاب وتيم بن مرّة،[٣] وهو حلف تجاري بمقدّماته ونتائجه حافظ على سُمعة قريش بين القبائل وساعد على ازدهار أسواق مكة المكرمة، وأعطاها صفة العدل والأمن والحماية للضعيف والنُصرة للمظلوم، واستمرت ثمار حلف الفضول بعد الإسلام عندما مدحه الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- بعد بعثته، وتجدر الإشارة إلى أنّ أسواق مكة المكرمة كان يقصدها التجار ومنهم الضعفاء الساعين وراء كسبهم ورزقهم وأصحاب السلع ولم يكن لهم من يحميهم من أي خطرٍ قد يتعرّضوا له، ولكنّهم مُوقنين بأنّ أمن الحرم يسعهم جميعاً، حتى سعى الأشراف من مكة على عقد حلف الفضول، والناظر إلى اهتمام قريش بهذا الحلف يرى أنّ السبب يكمُن في حرصهم على سُمعتها التجارية بين العرب.[٤]


سبب عقد حلف الفضول

ذكر العلماء سببين لوقوع حرب الفِجار بيانهما آتياً:

  • السبب الأول: يرجع سبب عقد حلف الفضول إلى وقوع حرب الفِجار بين قريش ومَن معهم من كنانة وبين قيس عيلان، وكانت بقيادة حرب بن أميّة؛ لمكانته الاجتماعية بين القبائل، وكان النصر في أول النهار وبداية المعركة لقيس، ثمّ تحوّل في وسط النهار ليصبح من نصيب كنانة، وقد سميّت بحرب الفِجار لِما حصل فيها من انتهاك حُرمات الحرم والأشهر الحرم، وقد حضرها الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- وكان عُمره حينها خمسة عشر سنةً، وكانت مهمته تجهيز النبال للرُماة،[٥] أمّا فيا يتعلّق بسبب حرب الفِجار فقد أورده ابن هشام قائلاً: (فلمّا بلغ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أربع عشرة سنةً أو خمس عشرة سنةً هاجت حرب الفِجار بين قريش ومن معهم من كنانة، وبين قيس عيلان، وكان سببها أنّ عروة الرَّحَّال بن عتبة من بني بكر بن هوازن أجار لطيمة للنعمان بن المنذر -واللطيمة: هي الجمال التي تحمل التجارة، والطيب والبز وأشباهها- فقال له البرَّاض بن قيس، أحد بني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة: أتجيرها على كنانة؟ قال: نعم، وعلى الخلق كله، فخرج فيها عُروة الرَّحَّال وخرج البرّاض يطلب غفلته، حتى إذا كان يتيمن ذي طلال بالعالية، غفل عُروة، فوثب عليه البرّاض فقتله في الشهر الحرام فلذلك سُمي الفِجار).[٦]
  • السبب الثاني: قيل إنّ سبب عقد حلف الفضول يرجع إلى أنّ رجلاً من زُبيد اشتكى ظلماً وقع عليه من العاص بن وائل الذي اشترى منه بضاعةً وأنكر عليه ثمنها، وقد سمع الزبير بن عبد المطلب مظلمة الرجل وجمع القبائل وعقدوا الحلف وأعادوا لزُبيد حقّه.[٥]


نص حلف الفضول

وقع حلف الفضول بين قبائل قريش وهم: بنو هاشم، وبنو المطلب، وأسد بن عبد العزّى، وزهرة بن كلاب، وتيم بن مرّة، وأُقيمَ الاجتماع في دار عبدالله بن جدعان التيمي، وتعاهدوا وتعاقدوا على ألّا يجدوا في مكة مظلوماً ولا من غيرها إلّا وقفوا معه وانتصروا له وأعادوا له حقّه من الذي ظلمه،[٥] وقد أثنى الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- على حلف الفضول بعد أن أكرمه الله -تعالى- بالرسالة، فقد قال: "لقد شَهِدت مع عمومتي حلفاً في دار عبدالله بن جدعان؛ ما أحبّ أن لي به حمر النّعم، ولو دُعيت به في الإسلام لأجبت"،[٧] وتُعبّر كلمة الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- عن رضاه بالحلف ورغبته به، فقد دعا الإسلام للدفاع عن الحق وأهله، والدفاع عن المظلوم والوقوف إلى جانبه ضد الظالم مهما كانت مكانته بين قومه، فالعدل ومحاربة الظلم على مستوى الأُمم والأفراد من وظائف الإسلام.[٨]


تسمية حلف الفضول

يرجع سبب تسمية حلف الفضول بهذا الاسم إلى سبَبين بيانهما آتياً:[٩]

  • السبب الأول: أنّ قبيلة جرهم قد سبقت قبيلة قريش في عقد حلفٍ مثل حلف الفضول، وكانوا الذين عقدوا الحلف ثلاثةٌ هم: الفضل بن فضالة، والفضل بن وداعة، وفُضيل بن الحارث، وقيل أيضاً إنّ الحلف وقع بين: الفضيل بن شراعة والفضل بن وداعة والفضل بن قضاعة.
  • السبب الثاني: أنّه تمّ التحالف على ردّ الفضول والحقوق إلى أهلها، وألّا يغزو ظالمٌ مظلوماً.


المراجع

  1. إسلام ويب (6/1/2013)، "حلف الفضول"، اسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 2/9/2021. بتصرّف.
  2. محمد الغزالي السقا، فقه السيرة، صفحة 76. بتصرّف.
  3. المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة، صفحة 238. بتصرّف.
  4. سعيد بن محمد الأفغاني ، أسواق العرب في الجاهلية والإسلام، صفحة 181-185. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ت صفي الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم، صفحة 49-50. بتصرّف.
  6. د. سامية منيسي (16/8/2020)، "شهود النبي محمد صلى الله عليه وسلم حرب الفجار وحلف الفضول في شبابه"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 5/9/2021. بتصرّف.
  7. رواه ابن جرير الطبري، في تفسير الطبري، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:4/77، حديث صحيح.
  8. محمد الغزالي السقا، فقه السيرة، صفحة 76-77. بتصرّف.
  9. عبد الملك بن هشام الحميري، السيرة النبوية لابن هشام، صفحة 133. بتصرّف.