حادثة شق الصدر
لقد تكلّمت كتب السير والتاريخ عن هذه الحادثة العظيمة، وأشارت الأدلة الصحيحة إلى إثبات حدوث هذه الواقعة عدّة مرات في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ حيث تمّ شقّ صدره -صلى الله عليه وسلم- من قبل الملائكة، وغسله بماء زمزم، وتطهير ما كان به من حظ الشيطان، فلا ينبغي لأحدٍ التشكيك والطعن في مثل هذه الحادثة؛ وذلك لما يأتي:[١]
- ما ثبت من صحّة أسانيد الروايات التي تحدثت عنها.
- أنّ روايات هذه الحادثة وقعت من النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد مبعثه؛ فهي من قبيل الوحي المنزل على النبي -صلى الله عليه وسلم-.
- أنّ هذه الحادثة كانت من رعاية الله -سبحانه- لنبيّه منذ الصغر إلى امتداد عمره -صلى الله عليه وسلم-؛ بحفظه من مزالق الشيطان ووساوسه.
- أنّ الله -سبحانه- أراد لخاتم الأنبياء والمرسلين أن يكون المثل الأعلى للإنسان السويّ؛ بطهارة قلبه وصفاء نفسه.
- أنّ أثر المخيط الذي كان بعد شقّ الصدر كام مُشاهداً مُلاحظاً من بعض الصحابة الكرام؛ فعن أنس بن مالك أنّه قال: (وقدْ كُنْتُ أرَى أثَرَ ذلكَ المِخْيَطِ في صَدْرِهِ).[٢]
- أنّ الحكمة من كل ذلك هو التطهير المعنويّ لقلب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإن وقع بالطرق الحسّية المُدركة.
- أنّ الألفاظ والدلالات التي جاءت تتحدث عن هذه القصة كانت تؤكد وتشير لحقيقتها، والأصل في الكلام الحقيقة لا المجاز؛ إلا إذا ثبت في ميزان اللغة أنّ هذه الألفاظ تحمل دلالات مجازيّة تصرفها عن الحقيقة.
شق صدر النبي في طفولته
وقعت حادثة شق الصدر هذه للنبي -صلى الله عليه وسلم- وهو صغير؛ في بادية بني سعد عندما كان عند مرضعته حليمة السعدية؛ حيث ثبت في الصحيح أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أتاه جبريل -عليه السلام- وهو يلعب بين الغلمان؛ فأخذه صرعه ثم شقّ عن صدره، فأخذ من قلبه علقةً وقال: (هذا حَظُّ الشَّيْطانِ مِنْكَ، ثُمَّ غَسَلَهُ في طَسْتٍ مِن ذَهَبٍ بماءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ لأَمَهُ، ثُمَّ أعادَهُ في مَكانِهِ)، ثم جاء الغلمان يسعون وهم يقولون: (إنَّ مُحَمَّدًا قدْ قُتِلَ، فاسْتَقْبَلُوهُ وهو مُنْتَقِعُ اللَّوْنِ).[٢][٣]
وفي رواية أخرى أنّ ملكين كالنّسرين أتيا النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فشقّا صدره واستخرجا من قلبه علقتين سوداوين، وثم غسلا قلب النبي -صلى الله عليه وسلم- وتركا فيه السّكينة، ولمّا انتهيا ختما عليه بختم النبوة؛ وبعدها انطلق النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى حليمة السعديّة ليخبرها بما كان؛ فخشيت أن يكون قد أُلبس به من الشياطين، فأخذته وانطلقت به إلى أمّه آمنة بنت وهب؛ وأخبرتها بما لقيه النبي -صلى الله عليه وسلم-، لكنّها لم تخف من ذلك وقالت: (إنِّي رأيْتُ خرَجَ منِّي نورٌ، أضاءَتْ منه قُصورُ الشامِ).[٤][٣]
شق صدر النبي بداية بعثته
ذهب بعض المحدّثين أنّ حادثة شقّ الصدر حدثت للنبي -صلى الله عليه وسلم- عند بعثته؛ زيادةً في إكرامه، وليتلقى -صلى الله عليه وسلم- ما يُوحى إليه بقلب قويّ طاهرٍ في أكمل الأحوال وأحسنها،[٥] وفي هذا يقول ابن حجر: "وَثَبَتَ شَقُّ الصَّدْرِ أَيْضًا عِنْدَ الْبَعْثَةِ كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل، وَلكُل مِنْهُمَا حِكْمَةٌ..".[٦]
شق صدر النبي في الإسراء والمعراج
ثبت في الصحيح أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة ما أُسري به؛ أنّه شقّ صدره وغُسل قلبه؛ ليكون مستعداً لمناجاة الله -سبحانه وتعالى-، ولما سيراه من الآيات الخارقة في هذه الليلة المباركة؛ وفي الحديث أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (بيْنَما أنَا في الحَطِيمِ -في الحِجْرِ- مُضْطَجِعًا، إذْ أتَانِي آتٍ؛ فَشَقَّ ما بيْنَ هذِه إلى هذِه -مِن ثُغْرَةِ نَحْرِهِ إلى شِعْرَتِهِ- ثُمَّ أُتِيتُ بطَسْتٍ مِن ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٍ إيمَانًا، فَغُسِلَ قَلْبِي، ثُمَّ حُشِيَ ثُمَّ أُعِيدَ..).[٧][٨]
وفي رواية أخرى: (فُرِجَ عن سَقْفِ بَيْتي وأَنَا بمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ بمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بطَسْتٍ مِن ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وإيمَانًا، فأفْرَغَهُ في صَدْرِي، ثُمَّ أطْبَقَهُ..).[٩][٨]
مواضيع أخرى:
المراجع
- ↑ أحمد أحمد غلوش، السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي، صفحة 196-200. بتصرّف.
- ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:162، صحيح.
- ^ أ ب موسى بن راشد العازمي، اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون، صفحة 93-94، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه الإمام أحمد، في المسند، عن عتبة بن عبد السلمي، الصفحة أو الرقم:17648، صححه الذهبي .
- ↑ محمد أبو شهبة، دفاع عن السنة ورد شبه المستشرقين، صفحة 89-90. بتصرّف.
- ↑ ابن حجر العسقلاني، فتح الباري، صفحة 204-205، جزء 7.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن مالك بن صعصعة الأنصاري، الصفحة أو الرقم:3887 ، صحيح.
- ^ أ ب أكرم العمري، السيرة النبوية الصحيحة محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية، صفحة 188-189، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم:349، صحيح.