سُميت بيعة العقبة الثانية ببيعة الحرب، وذلك لأن الله -تعالى- أذن لرسوله -صلى الله عليه وسلم- فيها أن يبايع المؤمنين على الحرب والقتال في سبيل الله، جاء في الحديث: (بايَعْنا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَيعةَ الحَربِ -وكان عُبادةُ مِن الاثنَي عَشَرَ الذين بايَعوا في العَقَبةِ الأُولى على بَيعةِ النِّساءِ-: في السَّمعِ والطَّاعةِ في عُسرِنا ويُسرِنا، ومَنشَطِنا ومَكرَهِنا، ولا نُنازِعُ الأمْرَ أهلَه، وأنْ نَقولَ بالحَقِّ حيثما كنَّا لا نَخافُ في اللهِ لَومةَ لائمٍ[١][٢]ويُطلق على هذه البيعة أيضاً بيعة العقبة الكبرى، وقد حدثت هذه البيعة بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وبين مَن دخل في الإسلام من أهل يثرب، عندما التقوا في موسم الحج، من السنة الثالثة عشر للبعثة، وكان عددهم بضعاً وسبعين شخصاً،[٣] وقد ظهرت في هذه البيعة مشاعر المحبة والمودة والتآخي والنصرة والولاء بين المؤمنين، وظهرت فيها شجاعة الأنصار واستبسالهم، واستعدادهم للدفاع عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وعن المؤمنين.[٤]


بنود بيعة العقبة الثانية

أراد الرسول -صلى الله عليه وسلم- في هذه البيعة أن يبني روابط الولاء والنصرة بين أفراد الأمة المسلمة، فكانت بنود هذه البيعة مختلفةً عما قبلها، وفيها من الشدة والحزم ما يشير إلى خطورة الموقف وأهميته، وتضمنت هذه البيعة خمسة بنود، اشترطها النبي -صلى الله عليه وسلم- على الأنصار، وبايعهم عليها، وهي:[٥]

  • السمع والطاعة في النشاط والكسل: فلم يكتفِ باشتراط السمع والطاعة، بل أضاف في النشاط والكسل، لأن السمع والطاعة سهلٌ في النشاط، ولكنه صعبٌ جداً في الكسل، فأراد أن يوضّح لهم أهمية الاستماع لأمر الله ورسوله وطاعتهما، مهما كانت الحالة التي يعيشها المؤمن.
  • النفقة في العسر واليسر: وكذلك فإن الإنفاق في وقت الغنى واليُسر أمرٌ هينٌ، أما في وقت الشدة والحاجة فهو أمرٌ قاسٍ، ولا يستطيعه إلا المخلصون من المؤمنين.
  • الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: وهذا هو واجب الأمة الإسلامية ودورها الذي أعدها الله -تعالى- للقيام به، ومدحها عليه، وجعلها خير الأمم.
  • المسارعة في تنفيذ أمر الله دون خوف من الناس: ومن ذلك الجهاد في سبيل الله، وإحقاق الحق واتباعه دون خشية من أحد.
  • نُصرة الرسول وحمايته كما يحمي المرء نفسه وأهله: فالدفاع عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- واجبٌ على المؤمنين، ومحبته ينبغي أن تكون أعظم من محبة النفس والزوجة والأولاد.


توضيح حول تشريع الجهاد في بيعة العقبة الثانية

استدرك بعض العلماء على ما جاء في بعض كتب السيرة، من أن الله -تعالى- أذن لرسوله وللمؤمنين بالجهاد في بيعة العقبة الثانية، كما ذكر ابن إسحاق وابن هشام، فقالوا بأن هذا الكلام من الوهم؛ لأن تشريع الجهاد حدث في السنة الثانية من الهجرة، ومما يدل على أن الجهاد لم يُفرض في بيعة العقبة الثانية، ما روي من أن العباس بن عبادة بن نضلة عَرَض على النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد إتمام البيعة؛ أن يقاتلوا المشركين من أهل مِنى، فرفض النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقال له بأن الله لم يأمره بذلك.[٦]


المراجع

  1. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن عبادة بن الصامت، الصفحة أو الرقم:22700، حديث صحيح.
  2. عبد الملك بن هشام، سيرة ابن هشام، صفحة 454. بتصرّف.
  3. المباركفوري، الرحيق المختوم، صفحة 133. بتصرّف.
  4. المباركفوري، الرحيق المختوم، صفحة 139. بتصرّف.
  5. راغب السرجاني، السيرة النبوية، صفحة 7. بتصرّف.
  6. محمد أبو شهبة، السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة، صفحة 455. بتصرّف.