إن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام في مكة المكرمة كانت سرية في بدايتها، واستمرت كذلك لمدة ثلاث سنوات، وإن ثلاث سنوات تعد مدة طويلة بالنسبة لفترة الدعوة كاملة والتي وصلت إلى ثلاث وعشرين سنة،[١] وقد بدأت الدعوة السرية عندما بُعِث النبي صلى الله عليه وسلم، إذ إنه حمل هم الدعوة في سبيل الله وانطلق يدعو المقربين منه، وإن الحكمة من سرية الدعوة في بدايتها هي الحفاظ عليها كي ينتشر الإسلام بين الناس بالسر، وذلك حتى يثبت بالقلوب، وتقوى شوكة المسلمين، ثم يجهروا بالدعوة، فقد أمر الله تعالى بالجهر بالدعوة بعد ثلاث سنوات من سريتها، وذلك بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم في آية نزلت عليه: "وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ"،[٢] واستمرت الدعوة بعدها في مكة لمدة عشر سنوات.
لماذا كانت الدعوة سرية في بدايتها؟
كانت الدعوة سرية في بدايتها بأمر من الله عز وجل للنبي بألا يجهر بها، وهذا ما أدركه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وطبقه، وفيما يأتي عرض لأبرز الأسباب التي جعلت من سرية الدعوة أمرًا ضروريًّا:[٣]
- اختبار الصادقين الحريصين على الدخول في الإسلام.
- اتقاء شر قريش التي لن تترك المسلمين على دينهم إن عرفت هوياتهم.
- تأجيل الحرب بين المسلمين والكافرين حتى يكثر المسلمون وتقوى شوكتهم.
تمثل الأسباب المبينة أعلاه دراسة للواقع، أو كما يسميه الدكتور راغب السرجاني بفقه المرحلة؛ أي الأمور التي تستلزمها هذه المرحلة حتى تمر بنجاح، فقد فهم المسلمون وأدركوا أنه من الحكمة والنباهة في هذا الوقت ألا يجهروا بالدعوة؛ وذلك لسلامة النبي صلى الله عليه وسلم ولمن دخل في الإسلام.
طبيعة الحياة قبل البعثة النبوية وبعدها
من أهم ما يجب أن يوضّح للقارئ في هذا المقال هو طبيعة حياة العرب قبل البعثة النبوية وبعدها، وذلك لإدراك الحكمة والسبب من الدعوة السرية، فقد كانت مكة هي مركز ديني للعرب؛ إذ إن فيها الكعبة وهي مقصد الحجاج، وتحيط بها الأوثان والأصنام التي كانوا يتقربون بها إلى آلهتم آنذاك، كما كان فيها سدنة الكعبة الذين يهتمون برعايتها وتنظيم الأمور فيها، لهذا السبب كان الناس يذهبون إليها من مختلف الطوائف والأجناس والأماكن، فقد كانت وجهة دينية وتجارية وثقافية، وهذا ما يدعو القبائل الساكنة فيها وكل من يقصدها للحج إلى ألا يتقبل أي تغيير في دينه وعقيدته، لذلك كان الجهر بالدعوة من بدايتها أمرًا صعبًا جدًّا، بل إنه يشكل خطرًا على مستقبل الدعوة.[٤]
أول من أسلم حينما كانت الدعوة السرية
كان أول من آمن بدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم زوجته خديجة رضي الله عنها، ثم أبو بكر رضي الله عنه، وعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه،[٥] ومن الضروري أن نشير هنا إلى أن القول الشهير للرسول صلى الله عليه وسلم على جبل الصفا كان آخر العهد بالدعوة السرية أي بعد ثلاث سنوات، ولم يكن في بدايتها كما يظن البعض، والقول هو: "يا بَنِي فِهْرٍ! يا بَنِي عَدِيٍّ! يا بَنِي عَبْدِ مَنافٍ! يا بَنِي عبدِ المُطَّلِبِ! أَرَأَيْتُكم لو أخبرتُكم أنَّ خيلًا بالوادي تريدُ أن تُغِيرَ عليكم، أكنتم مُصَدِّقِيَّ؟ قالوا: ما جَرَّبْنا عليكَ إلا صِدْقًا، قال: فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ".[٦]
المراجع
- ↑ راغب السرجاني، السيرة النبوية، صفحة 3.
- ↑ سورة الشعراء، آية:214
- ↑ راغب السرجاني، السيرة النبوية، صفحة 3. بتصرّف.
- ↑ "نظرات في مرحلة الدعوة السرية"، اسلام ويب. بتصرّف.
- ↑ "الحكمة من الدعوة السرية"، قصة الاسلام. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:7902، صحيح.