قصة عبد المطلب مع غار حراء

تذكر بعض المصادر أنّ أول من تعبّد في غار حراء من قريش هو جدّ النبي -صلى الله عليه وسلم- عبد المطلب؛ حيث كان إذا دخل شهر رمضان أطعم المساكين ثم صعد إلى غار حراء، وبعد ذلك لحقه من قريش ورقة بن نوفل وأبي أمية بن المغيرة؛ فكان شأن الكرام في ذاك الزمان الاعتزال والخلوة بالنفس لتعبّد الله -تعالى-، حتى ضمّن بعض الشعراء هذا الأمر في أشعارهم؛ فقال أحدهم:[١]



أَلِفَ النسك والعبادة والخلـ وة طفلاً وهكذا النجباء



وإذا حلّت الهداية قلباً نشطت في العبادة الأعضاء



عبد المطلب بن هاشم

هو عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن مرّة بن كلاب، واسمه شَيْبَة الحمد، من قبيلة قريش،[٢] ومن أكبر ساداتها، كان متخلقاً بمكارم الأخلاق؛ يحبّ المساكين، ويطعم الطعام، ويحرص على خدمة الحجيج، كما كان يحرص على العهود والمواثيق،[٣] وقد كان له من الأبناء عشرة؛ وهم: عبد الله وهو والد النبي -صلى الله عليه وسلم-، والزبير، والعباس وحمزة، والمقوم -وهو عبد العزى-، والغيداق، والحارث، وأبو لهب، وأبو طالب -واسمه عبد مناف-.[٤]


وقد كفل عبد المطلب النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما توفيت والدته آمنة بنت وهب، وقد رقّ وعطف عليه كثيراً، ولمّا توفي عبد المطلب أوصى بكفالة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أبي طالب.[٣]


غار حراء وتعبد النبي

كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة يخلو بنفسه في غار حراء ويتحنّث؛ أيّ يتحنّف ويتبع ملّة إبراهيم -عليه السلام-، من الحنفية والفطرة السليمة؛ وقد ثبت في الصحيح عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنّها قالت: (ثُمَّ حُبِّبَ إلَيْهِ الخَلاءُ، وكانَ يَخْلُو بغارِ حِراءٍ فَيَتَحَنَّثُ فيه -وهو التَّعَبُّدُ- اللَّيالِيَ ذَواتِ العَدَدِ قَبْلَ أنْ يَنْزِعَ إلى أهْلِهِ، ويَتَزَوَّدُ لذلكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِها، حتَّى جاءَهُ الحَقُّ وهو في غارِ حِراءٍ..)؛[٥] وكان أوّل نزول للوحي على النبي -صلى الله عليه وسلم- في غار حراء، عندما نزلت عليه أول آيات سورة العلق، وعندها رأى جبريل -عليه السلام- بصورته الحقيقية، وقد فزع من ذلك وعاد مرتجفاً إلى أم المؤمنين خديجة -رضي الله عنها-.[٦]


وبعدما بُعث النبي -صلى الله عليه وسلم- وأكرمه الله بالنبوة؛ لم يكن يأتي غار حراء، فقد كان يقيم الصلوات في مكة المكرمة قبل الهجرة، ثم أسس المساجد في المدينة المنورة، وبعدها دخل مكة المكرمة معتمراً وفاتحاً وحاجّاً، ولكنّه مع ذلك لم يأتِ الغار؛ إذ كان هذا الأمر في الجاهلية، كما إنّ في العبادات التي شرعها الله -تعالى- في الإسلام من الصلاة والاعتكاف بالمساجد ما يُغني عن إتيان غار حراء.[٧]


الحكمة من التعبد في غار حراء

يُقال إنّ الحكمة من التعبّد في غار حراء دون غيره؛ أنّه كان منزويّاً في جبل حراء، بالإضافة إلى قربه من مكة المكرمة ومن بيت الله الحرام، فيتمكن النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك من رؤية الكعبة المشرفة، والخلّوة عن أصحاب الشرك والأوثان؛ فيصفو قلبه، وتتزكّى نفسه.[٨]

المراجع

  1. نور الدين الحلبي، السيرة الحلبية إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون، صفحة 339، جزء 1. بتصرّف.
  2. ابن سعد، الطبقات الكبرى، صفحة 37، جزء 1. بتصرّف.
  3. ^ أ ب محمد بن عبد الوهاب، مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، صفحة 59-60. بتصرّف.
  4. ابن حبان، الثقات، صفحة 32، جزء 1. بتصرّف.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:3، صحيح.
  6. محمد علي اللاهوري القادياني، حياة محمد ورسالته، صفحة 67-68. بتصرّف.
  7. ابن تيمية، مجموع الفتاوى، صفحة 394، جزء 10. بتصرّف.
  8. حمزة قاسم، منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري، صفحة 35، جزء 1. بتصرّف.