غزوة تبوك
هي آخر غزوة غزاها النبي -صلى الله عليه وسلم- حدثت في شهر رجب من العام الهجري التاسع، بين المسلمين والروم، وكان سببها هو وصول أخبار الروم إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وعزمهم على غزو المدينة المنورة، وتهيؤهم لحرب شاملة على المسلمين، وجمعهم الجموع الكبيرة، فقرر النبي -صلى الله عليه وسلم- كعادته مواجهة هذا العدوان والتصدّي له قبل أن يصل إلى أرض المسلمين، وكان من عادته ألا يُفصح عن وجهته في الغزوات ليضلل أعداءه، لكنَّه في هذه الغزوة أعلن أنَّ وجهته هي أرض الروم، وذلك ليتجهّز أصحابه ويعدوا عدتهم ويعلموا خطورة الأمر، لصعوبة الظروف وقوّة العدو وكثرته وطول المسافة، جاء في الحديث: (كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَلَّما يُرِيدُ غَزْوَةً يَغْزُوهَا إلَّا ورَّى بغَيْرِهَا، حتَّى كَانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ، فَغَزَاهَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حَرٍّ شَدِيدٍ، واسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا ومَفَازًا، واسْتَقْبَلَ غَزْوَ عَدُوٍّ كَثِيرٍ، فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أمْرَهُمْ، لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ عَدُوِّهِمْ، وأَخْبَرَهُمْ بوَجْهِهِ الذي يُرِيدُ).[١][٢]
كم عدد الذين تخلفوا عن غزوة تبوك؟
استنفر النبي -صلى الله عليه وسلم- كل المسلمين من أهل المدينة وأهل مكة ومن الأعراب، ليجمع أكبر عدد من المقاتلين لمواجهة الروم ذوي الأعداد الكبيرة، فتجمع من المسلمين أربعون ألف مقاتل، لكن المنافقين والأعراب انسحبوا في بداية الطريق، متذرعين بحجج واهية، وقد فضحهم الله -تعالى- في القرآن فقال: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ}،[٣] فبقي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ثلاثون ألف مقاتل من المؤمنين الصادقين، وكان هذا الجيش هو أكبر جيش تمَّ تجميعه في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يتخلّف عن الخروج من المؤمنين إلا من كان له عذر من الضعفاء والمرضى والفقراء، ولكن كان هناك ثلاثة من المؤمنين قد تخلفوا بلا عذر ولم يخرجوا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك.[٤]
الثلاثة الذين تخلفوا
تخلّف عن غزوة تبوك ثلاثة من الصحابة بلا عذر، وهم كعب بن مالك ومُرارة بن الربيع وهلال بن أمية، فلمّا رجع النبي -صلى الله عليه وسلم- من تبوك جاءه المنافقون الذين تخلّفوا عنه في المدينة، وصاروا يعتذرون له كذباً، وكان عددهم بضعة وثمانون رجلاً، فقبل النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم أعذارهم واستغفر لهم، لكنَّ الله -تعالى- لم يغفر لهم وكشف حقيقتهم فقال: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ۚ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}،[٥] أمّا الثلاثة الذين تخلّفوا فقد غفر الله -تعالى- لهم لأنَّهم كانوا صادقين ولم يكذبوا على النبي -صلى الله عليه وسلم- وأخبروه بأنَّهم تخلّفوا بلا عذر، وقد ندموا ندماً شديداً، فترك النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرهم إلى الله -تعالى- لكنَّه أمر المسلمين بأن يقاطعوهم ولا يكلموهم حتى يقضي الله -تعالى- في أمرهم، وبعد مرور خمسين ليلة، وبعد أن بلغ بهم الحزن والضيق مبلغاً عظيماً؛ أنزل الله -تعالى- مغفرته وتوبته عليهم، فقال:{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}.[٦][٧]
المراجع
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن كعب بن مالك، الصفحة أو الرقم:2948، حديث صحيح.
- ↑ محمد ابو شهبة، السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة، صفحة 495. بتصرّف.
- ↑ سورة التوبة، آية:81
- ↑ أحمد غلوش، السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني، صفحة 619. بتصرّف.
- ↑ سورة التوبة، آية:80
- ↑ سورة التوبة، آية:118
- ↑ المباكفوري، الرحيق المختوم، صفحة 401. بتصرّف.