أسباب غزوة خيبر

كان حصن خيبر حصناً منيعاً لليهود بعد أن لجأ إليه جمعٌ من اليهود المُخرجين من المدينة المنورة، من بني النضير وغيرهم؛ الذين كانوا يحقدون على الإسلام والمسلمين، ويحملون لهم في قلوبهم الكره والغلّ من قبل، ومن بعد ما أجلاهم -أخرجهم- النبي -صلى الله عليه وسلم-، وطهّر المدينة المنورة منهم.[١]


وقد أدّت عدّة أسباب لقيام غزوة خيبر، ومحاربة اليهود فيها، ومداهمة حصنهم المنيع، ونذكر من هذه الأسباب:[٢]

  • كان ليهود خيبر إسهام كبير في تحريض بني قريظة على نقض العهد مع النبي -صلى الله عليه وسلم-.
  • كان لهم الدور الفعّال في تحريض العرب والأحزاب في غزوة الخندق ضد المسلمين.
  • سعي يهود خيبر بالتخطيط لمحاولة اغتيال النبي -صلى الله عليه وسلم- وقتله.
  • رغبة النبي -صلى الله عليه وسلم- بتطهير المدينة المنورة بشكل نهائيّ، والتخلّص من أقوى أعداء المسلمين المتواجدين في الجهة الشماليّة للمدينة المنورة، لتكون تلك المنطقة آمنة محصّنة عندما يحين محاسبة قريش على أفعالها وتآمرها.[٣]


خروج المسلمين إلى خيبر

خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى خيبر في مطلع العام السابع للهجرة، وخرج المسلمون معه في جيش بلغ عدده ألف وستمئة مقاتل، ومعهم مئتا فرس وقيل ثلاثمئة، فلمّا وصلوا خيبر ليلاً أقاموا فيها حتى أصبح، ولمّا كان الصبح انطلق المسلمون في مواجهة أكبر قوة يهوديّة، وأكثرها حصانة، وأقواها سلاحاً، وقد وجدوا يهود خيبر قد خرجوا إلى زروعهم بأدواتهم ومجارفهم، فلمّا رأوا الجيش تفاجئوا وولوا هاربين إلى حصونهم؛ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (... اللَّهُ أكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إنَّا إذَا نَزَلْنَا بسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِينَ).[٤][٥]


ومن الجدير بالذكر أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذه الغزوة صرّح للمسلمين بنيّته للخروج إلى خيبر، على غير عادته -صلوات الله عليه- في غزواته؛ إذ كان يكتم وجهته عن المسلمين، وقد كان هذا التصريح بسبب أنّ الله -تعالى- كان قد وعده بفتحها يوم الحديبية؛ حين أنزل عليه -سبحانه-: (وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـٰذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ...).[٦][٧]


كما ردّ النبي -صلى الله عليه وسلم- المخلّفين من الأعراب في هذه الغزوة، الذين تخلّفوا عنه في غزوة الحديبية، وقد جاؤوا رغبةً بالغنيمة، فأنزل الله -تعالى- فيهم: (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ ۖ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ ۚ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَٰلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ ۖ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا ۚ بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا)،[٨] ثم أمر رسول الله منادياً أن لا يخرج معه إلا راغب بالقتال، فخرج أصحاب البيعة -تحت الشجرة- دون تردد.[٧]


نتيجة الغزوة

بلغ عدد يهود خيبر ألف وأربعمئة مقاتل، وكانوا بقيادة زعيمهم سلّام بن مشكم،[٣] وقد لاقى المسلمون في هذه الغزوة مناعة قويّة؛ بسبب طبيعة حصون خيبر، وبسبب الطبيعة الجغرافية للمنطقة، ولكنّهم بقدرة الله -تعالى- وتأييده فتحوا الحصون حصناً بعد حصن بعد قتال وحصار، فلمّا وقع اليهود بين يدي المسلمين طلبوا من النبي -صلى الله عليه وسلم- الصلح، وأن لا يخرجهم من خيبر.[٩]


وسألوه أن يقيموا على أرض خيبر، ويعملوا فيها ويصلحوها بالزراعة، فهم أعلم بهذه الأمور من المسلمين؛ فوافق النبي -صلى الله عليه وسلم- على بقائهم في خيبر، على أن يكون لهم نصف الزرع والثمر، والنصف الآخر للمسلمين. ولقد كان لانتصار المسلمين على يهود خيبر وقع كبير في نفوس القبائل الأخرى؛ التي لم تسلم بعد.[٩]


والتي كانت تعلم قوة اليهود الحربيّة، وما كانوا يتمتعون به من الغنى والرفاهيّة، والثروات الزراعيّة، ووفرة السلاح، وغير ذلك من الأمور التي اشتهر بها يهود خيبر، فكانت هذه القبائل المعادية للإسلام تعلّق آمالها على هذه الغزوة، ظناً منهم أن المسلمين لن يقووا على مواجهة اليهود، إلا أنّ الله خيّب آمالهم، وأيّد النبي -صلى الله عليه وسلم- بالنصر المؤزر، وتمّ القضاء على أكبر القوى في الجزيرة العربيّة.[٩]

المراجع

  1. محمد أبو شهبة، السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة، صفحة 414، جزء 2. بتصرّف.
  2. صالح بن طه عبد الواحد، سبل السلام من صحيح سيرة خير الأنام عليه الصلاة والسلام، صفحة 462-463، جزء 1. بتصرّف.
  3. ^ أ ب محمود شيت خطاب، الرسول القائد، صفحة 293. بتصرّف.
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:3647، صحيح.
  5. محمد أبو شهبة، السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة، صفحة 415، جزء 2. بتصرّف.
  6. سورة الفتح، آية:20
  7. ^ أ ب موسى بن راشد العازمي، اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون، صفحة 399-400، جزء 3. بتصرّف.
  8. سورة الفتح، آية:15
  9. ^ أ ب ت أبي الحسن الندوي، السيرة النبوية، صفحة 426-429. بتصرّف.