غزوة الخندق

حدثت غزوة الخندق في شهر شوال من السنة الخامسة للهجرة وقيل في السنة الرابعة للهجرة، وكانت تسمى كذلك بغزوة الأحزاب،[١] وقعت بين المسلمين ويهود بني النضير، فقد بلغ عدد المسلمين آنذاك ثلاثة آلاف مقاتل بقيادة رسول الله محمد -صلّى الله عليه وسلّم-، وقد بلغ عدد المشركين عشرة آلاف مقاتل بقيادة أبي سفيان،[٢] وسميت الغزوة بالخندق بسبب حفر المسلمين خندق بينهم وبين العدو بأمر من الرسول وبإشارة من سلمان الفارسي للدفاع عن المدينة،[١][٢] فقد روي في البخاري: (لَمَّا كانَ يَوْمُ الأحْزَابِ، وخَنْدَقَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، رَأَيْتُهُ يَنْقُلُ مِن تُرَابِ الخَنْدَقِ، حتَّى وارَى عَنِّي الغُبَارُ جِلْدَةَ بَطْنِهِ، وكانَ كَثِيرَ الشَّعَرِ)،[٣] وهذه الغزوة جاءت بتآمر من اليهود وكيدهم وغيظهم من المسلمين؛ فأخذوا يحرّضون قبائل قريش وغيرهم من القبائل على غزو الرسول، كقبائل غطفان وبنو مرة وبنو أشجع، واجتمعت هذه الأحزاب واتجهوا نحو المدينة لغزو المسلمين؛ وللذلك أيضًا سميت هذه الغزوة بالأحزاب، لتحزّب القبائل ضد المسلمين.[٤]


سبب غزوة الخندق

بعد هدوء الجزيرة العربية من الحروب والمعارك التي استمرت سنة كاملة،[٤] اجتمع نفر من زعماء اليهود من بني النضير وهم حُيي بن أخطب، وسلَّام والربيع، وكنانة بن الربيع،[٢] ليضعوا خطط للتآمر على المسلمين مرة أخرى ومناروتهم،[٤] فخرجوا إلى مكة وحرّضوا قبائل قريش لإقامة حرب على رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-، وخرج هؤلاء النفر وتوسعوا في تحريضهم على المسلمين للقبائل الأخرى فوصلوا إلى غطفان وبني فزارة وبني مرة وغيرهم، وجميعهم دعوهم إلى ما دعوا قريش ووافقوا على ذلك واجتمعت تلك القبائل وتهيئوا لحرب رسول الله،[١] فخرجت قريش بقيادة أبي سفيان، وغطفان بقيادة عينية بن حصن، وبني مرة وقائدها الحارث بن عوف، ولمّا سمع الرسول -عليه الصلاة والسلام- بمكيدة المشركين وزعماء اليهود أمر المسلمين بحفر خندق يحيط بالمدينة بينهم وبين المشركين وذلك بإشارة من سلمان الفارسي.[٢]


أحداث غزوة الخندق

حفر المسلمين الخندق وحصار المدينة

بدأ المسلمون بحفر الخندق، وكانت خطة الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- بجعل كل عشرة رجال من المسلمين أن يقوموا بحفر أربعين ذراعًا وعاونهم الرسول وسلمان الفارسي كذلك بحفر الخندق،[٤] ثمَّ تجمع المشركون وعددهم عشرة آلاف مقاتل يحاولون عبور الخندق واقتحامه وكان المسلمون يرمونهم بالسهام لمنعهم، إلا أنَّ بعضهم قد نجح في العبور ومنهم عمرو بن عبد ود، ومعه عكرمة بن أبي جهل وضرار بن الخطاب، فخرج إليهم علي بن أبي طالب وتصدّى لهم وتبارز مع عمرو بن عبد ود فقتله وهرب من كان معه، وفي كل مرة يحاول فيها المشركون اجتياز الخندق كان يتعرّضون للفشل في اجتيازه،[٥] وذلك بتصدي المسلمين لهم ودفاعهم عن الخندق، واستمر المشركون بحصارهم للخندق لمدة شهر كامل،[٤] وفي يوم من الأيام بقي المسلمون يدافعون عن الخندق من قبل العصر إلى ما بعد المغرب وفوّتوا صلاة العصر ممّا إدّى إلى انزعاجهم على تفويت الصلاة، وقد كان هذا الحدث فريدًا في السيرة.[٥]


خيانة بني قريظة للعهد

بدأ يهود بني النضير وعلى رأسهم حيي بن أخطب وهو أشدهم كفرًا وعداوةً بالتحضير لخطة جديدة، فلقي زعيم يهود بني قريظة كعب بن أسد وأخذ بتحريضهم لمخالفة العهد مع رسول الله، بعدما كانوا في السابق يربطهم عهد مع المسلمين،[١] فاستطاع حيي بن أخطب إقناعهم ونقضوا عهدهم مع المسلمين وقرروا التحالف مع المشركين لدخول المدينة والحرب ضد المسلمين،[٥] فوصل الخبر إلى رسول الله وأمر سعد بن معاذ ليتحقق من الخبر فإذا كان صحيحًا يؤشر له بيده وإذا كان خاطئًا يجهر به في الناس، فعاد سعد إلى النبي وقال له "عضل وقارة" أي كغدر عضل والقارة، حزن الرسول حزنًا شديدًا وقال للمسلمين: "اللّهُ أَكْبَرُ، أَبْشِرُوا يَا مَعْشَرِ الْمُسْلِمِينَ بِفَتْحِ اللَّهِ وَنَصْرِهِ".[١]


هزيمة الأحزاب

بعدما نقض بني قريظة عهدهم واتفقوا على الهجوم على المسلمين، أرسل الله -سبحانه وتعالى- ريحًا قاسيةً شديدةً البرودة على معسكر الأعداء اقتلعت خيامهم وأطفأت نيرانهم فانسحبت قريش وبنو النضير وبقي بنو قريظة وحدهم ضد المسلمون، واستطاع المسلمون هزيمتهم والانتصار عليهم،[٦] ومن الأمور الأخرى التي ساهمت بهزيمة المشركين هي إسلام رجل من قبيلة غطفان من الشخصيات المعروفة بين اليهود وبين قريش ولم يتوقع إسلامه وهو نعيم بن مسعود، فقد جاء إلى رسول الله وأخبره بإسلامه الذي أخفاه عن قومه، ثم ذهب إلى يهود بني قريظة وهو مخفي إسلامه وأشار إليهم أن لا يقاتلوا مع قريش حتى يعطوهم رهائن، ومن ثمَّ ذهب إلى قريش وأخبرهم أنَّ بني قريظة إن طلبوا رهائن لا تعطوهم، وذهب كذلك إلى قبيلة غطفان وأخبرهم نفس الكلام، فشعروا بالقلق وتهزهزت ثقتهم ببعضهم وتفكك الأحزاب وتفرقوا.[٥]


المراجع

  1. ^ أ ب ت ث ج محمد سعيد رمضان البوطي، فقه السيرة النبوية، صفحة 320. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت ث د. محمد منير الجنباز (26/1/2017)، "قصة غزوة الخندق"، الألوكة الشرعية، اطّلع عليه بتاريخ 20/5/2021. بتصرّف.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم:4106، (حديث صحيح).
  4. ^ أ ب ت ث ج الشيخ صفي الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم، صفحة 306. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ت ث أ.د. راغب السرجاني (17/4/2010)، "غزوة الخندق (غزوة الأحزاب)"، قصة الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 20/5/2021. بتصرّف.
  6. الشيخ صفي الرحمن المباركفوري، "غزوة الخندق"، الرحيق المختوم، اطّلع عليه بتاريخ 20/5/2021. بتصرّف.