غزوة بدر

هي الغزوة الكبرى في تاريخ الإسلام والمسلمين، حيث كان لها الأثر الأكبر في مسيرة الدعوة الإسلامية، فقد قلبت الموازين وجعلت من المسلمين قوةً لا يستهان بها، بعد سنوات من الضعف والاضطهاد، فجاءت لتكون فُرقاناً فاصلاً بين الحق والباطل، قال -تعالى-: {إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ۗ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}،[١] فقد كانت غزوة بدر أولَ قتالٍ دامٍ بين المسلمين والمشركين، وأول نصر حاسمٍ ومؤزرٍ للمسلمين، على الرغم من قلّة عددهم وعدتهم، وقد جرت أحداثها في شهر رمضان المبارك، من العام الثاني للهجرة النبوية، وقد سميت بغزوة بدر نسبة إلى بئر بدر التي حدثت عندها المعركة، والتي تقع في الطريق بين مكة والمدينة، وقد أمدَّ اللهُ -تعالى- المسلمين بالملائكة الذين قاتلوا معهم في المعركة، قال -تعالى-: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ* إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُنزَلِينَ}.[٢][٣]


ما هي شروط النصر في غزوة بدر؟

كان النصر في غزوة بدر تدبيراً إلهياً بحتاً، فالتكافؤ في القوة المادية كان معدوماً بين الطرفين، فعدد المسلمين كان ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، وعدد المشركين كان ألف مقاتل تقريباً، ولكنَّ القوة المعنوية هي التي كانت العلامةَ الفارقة، والنقطةَ الجوهرية في هذا الصراع، والسببَ الرئيس للنصر، والقوةُ المعنوية هي قوة العقيدة ورسوخ الإيمان، فعندما امتلأت قلوب المسلمين بالإيمان وهانت عليهم الدنيا، واستعدوا للتضحية بأرواحهم في سبيل الله، أمدهم الله -تعالى- بمدده، وأنزل ملائكته تثبتهم وتعينهم على عدوهم، قال -تعالى-: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ}.[٤][٥]


وللنصر شروط لا بدَّ أن تتوفر لدى المسلمين حتى ينالوه، وقد أوجزها الله -تعالى- في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}،[٦] وقد حرص المسلمون في غزوة بدر على تحقيق هذه الشروط، وفي الآتي بيانها:[٧]


الثبات والصبر عند لقاء العدو

فالثبات والصبر أمام العدوِّ وشدّة القتال في أرض المعركة؛ هو الشرط الأول من شروط النصر، وقد حقّق المسلمون هذا الشرط في غزوة بدر فثبتوا وصبروا أمام عدوهم حتى نصرهم الله، وذلك لا يأتي إلاّ من إيمان راسخ وعقيدة قوية، فالمؤمن لا يهاب لقاء العدو، ولا يخاف من الموت، لأنَّه على يقين من أن مصيره إحدى الحسنين، إمَّا النصر أو الشهادة، وكلاهما للمؤمن فوزٌ عظيمٌ، قال -صلى الله عليه وسلم-: (واعلمْ أنَّ النصرَ معَ الصبرِ).[٨]


الإكثار من ذكر الله ودعائه

لأنَّه اتصال بصاحب القوة الحقيقية، واستعانة به -تعالى- الناصر القاهر ذي العزة والجبروت، فالذكر استحضار للإخلاص والتجرّد من كل المطامع الدنيوية، وتوطيدٌ للقلب على النية الخالصة، بأنَّ الجهاد لله وفي سبيل الله ولإعلاء كلمة الله -تعالى- ونصرة دينه، والدعاء تسليم لله وثقة به، وتبرءٌ من كل حولٍ وقوةٍ، سوى حوله وقوته، لذلك فقد بالغ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في الدعاء يوم بدر، حتى أتاه النصر من الله -تعالى.


طاعة الله ورسوله

لأنَّها شرط ضروري للحصول على النصر، فمعصية الله ورسوله سبب أساسي من أسباب الهزيمة، فلا بدَّ للمسلمين أن يكونوا مُنصاعين لأوامر الله ورسوله، لا يخالفونها ولا يقصرون في تأديتها، كي يستحقوا النصر من الله، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}.[٩]


اجتناب التنازع

لأنَّ التنازع يؤدّي إلى الضعف والفشل، وذهابِ قوة المسلمين بسبب تفرّقهم، مما يؤدّي إلى الهزيمة، فالاتحاد والحفاظ على الجماعة ووحدة الكلمة والصف هو شرط مهم من شروط النصر، قال -تعالى-: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}.[١٠]


المراجع

  1. سورة الأنفال، آية:41
  2. سورة آل عمران، آية:123-124
  3. أحمد غلوش، السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني، صفحة 252. بتصرّف.
  4. سورة الأنفال، آية:12
  5. محمد أبو شهبة، السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة، صفحة 142. بتصرّف.
  6. سورة الأنفال، آية:46-45
  7. محمد عبد المقصود جاب الله، قوة العقيدة سبيل النصر في غزوة بدر الكبرى، صفحة 182. بتصرّف.
  8. رواه محمد بن محمد الغزي، في إتقان ما يحسن ، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:200، حديث حسن.
  9. سورة محمد، آية:7
  10. سورة آل عمران، آية:103