نتائج فتح مكة المكرمة

كان لفتح مكة المكرمة كبير الأثر على الإسلام والمسلمين؛ حيث حصد الصحابة -رضي الله عنهم- بقيادة النبي -صلى الله عليه وسلم- الكثير من النتائج الإيجابية، وفيما يأتي ذكر أبرز هذه النتائج:


النتائج العسكرية

تجلّت النتائج العسكرية في فتح مكة المكرمة بصورة مشرقة؛ غيّرت فيها الموازين بين أهل الإيمان وأعدائهم من المشركين، وفيما يأتي ذكر بعض النتائج العسكرية التي ترتبت على فتح مكة المكرمة:[١]

  • إظهار قوة الإسلام والمسلمين؛ فقد أعدّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لهذا اليوم جموعاً غفيرةً تعجّبت منها قريش، وخافت على نفسها من الهلاك؛ وأصدرت الأوامر بعدم المقاومة أو القتال، فلم يحدث من ذلك إلا قدر يسير في أطراف مكة المكرمة.
  • أباح النبي -صلى الله عليه وسلم- الثأر لقبيلة خزاعة من قبيلة بني بكر في اليوم الأول من الفتح، حتى يحين موعد العصر؛ وذلك لما كان من غدر بني بكر بخزاعة قبل الفتح؛ فلما جاء العصر منع أيّ قتال وأنهى الأمر بينهما؛ فلما كان من خزاعة القتل بعد ذلك حكم بينهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بحكم الله -تعالى؛ وخيّر أهل المقتول بين القصاص أو الدّية.
  • إعلان العفو العام عن مكة المكرمة وساكنيها من قبل النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ مما ترتب على هذا العفو حفظ الأنفس، والأموال، وإبقاء الأراضي بيد أصحابها؛ كما لم تُفرض الجزيات والخراجات على مكة المكرمة؛ فكان لها خصوصية عن باقي الأراضي المفتوحة لقدسيتها وحُرمتها.
  • إنهاء الحرب مع قريش وحلفائها؛ وتحوّلها لقوة دافعة نافعة في صفّ الإسلام والمسلمين.[٢]


النتائج الدعوية والمعنوية

لا يمكن الإغفال عن النتائج الدعوية والنفسيّة التي ترتبت على هذا الفتح المبارك، ومنها نذكر:

  • تحوّل مركز عداء المسلمين من مكة المكرمة إلى الطائف؛ بقيادة قبيلتي هوازن وثقيف، اللتين سارعتا لقيادة المشركين، فكانت غزوة حُنين، وحصار الطائف نتيجة لذلك.[٣]
  • تطهير مكة من الأوثان والشرك؛ وذلك بتحطيم الأصنام من حول الكعبة المشرفة البالغ عددها ثلاثمئة وستين، وقد شارك النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك وهو يقرأ: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا).[٤][٣]
  • اتساع رقعة الإسلام؛ بإقبال عدد من القبائل العربية على الإسلام للدخول فيه.[٢]
  • إحياء المسلمين ليلة الفتح بالطواف والتكبير والتهليل؛ بعد أن كانوا يُمنعون من دخول البيت، ويُحرمون من أداء المناسك فيه؛ منّ الله عليهم بهذا النصر والفتح المبين.[٥]
  • زوال كل المعاهدات التي تمنع من دخول الإسلام، بالإضافة إلى إزالة العقبات أمام الدعاة حتى جاوزوا البرّ إلى البحر، وبلغ الإسلام في النفوس مبلغاً عظيماً شدّ الناس إليه.[٦]


نتائج أخرى

كان فتح مكة المكرمة سبباً في توضيح معالم بعض التشريعات، والأحكام المتعلقة بعبادات المسلمين ومعاملاتهم، ومن أبرز النتائج في ذلك ما يأتي:

  • بيان بعض الأحكام الشرعية الهامة؛ كجواز الإفطار في نهار رمضان للمسافر في غير معصية؛ فقد ثبت عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- أنّه قال: (إنَّ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- خَرَجَ عَامَ الفَتْحِ في رَمَضَانَ، فَصَامَ حتَّى بَلَغَ الكَدِيدَ -وهي عين جارية تبعد عن مكة ٨٦ كيلاً، وبينهما وبين المدينة ٣٠١ كيل-، ثُمَّ أَفْطَرَ قالَ: وَكانَ صَحَابَةُ رَسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- يَتَّبِعُونَ الأحْدَثَ فَالأحْدَثَ مِن أَمْرِهِ)؛[٧] أيّ إنّ الصحابة يتتبعون عمل النبي الذي استقرّ عليه، ويعدّونه الناسخ لما قبله من أحكام.[٨]
  • إعادة مفتاح الكعبة إلى عثمان بن طلحة -رضي الله عنه-، حيث جعل له النبي -صلى الله عليه وسلم- الحجابة في الكعبة المشرفة في الإسلام، كما كانت لهم في الجاهلية.[٩]
  • خطب النبي -صلى الله عليه وسلم- في الناس خطبة تاريخية ألقى فيها عدداً من الدروس، ووضحّ فيها عدداً من الأحكام التشريعيّة؛ حيث أعلن فيها:[١٠]
  • تحريم التعامل بالربا.
  • تحديد ديّة القتل الخطأ.
  • توحيد المسلمين، ونبذ التفريق العنصريّ بينهم، القائم على التفرقة بالجنس واللون والعرق ونحو ذلك.
  • إعلان حُرمة مكة المكرمة منذ الفتح وحتى قيام الساعة؛ حيث قال -صلى الله عليه وسلم-: (إنْ مَكَّةَ حَرَّمَها اللَّهُ، ولَمْ يُحَرِّمْها النَّاسُ، لا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ أنْ يَسْفِكَ بها دَمًا، ولا يَعْضِدَ بها شَجَرًا، فإنْ أحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتالِ رَسولِ اللَّهِ فيها، فَقُولوا له: إنَّ اللَّهَ أذِنَ لِرَسولِهِ، ولَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وإنَّما أذِنَ لي فيها ساعَةً مِن نَهارٍ، وقدْ عادَتْ حُرْمَتُها اليومَ كَحُرْمَتِها بالأمْسِ، ولْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغائِبَ).[١١]
  • تحريم الصيد وقطع الأشجار في الحرم.
  • إرساء معالم الإسلام وعقائده الراسخة، ومحو الشرك والوثنية.
  • بعث الطمأنينة في النفوس بعد ما لاقت من الأهوال، والنزاعات، والحروب ما لاقت.


سورة النصر وفتح مكة المكرمة

نزلت سورة النصر في فتح مكة المكرمة؛ حيث وصف الله -سبحانه- فتح مكة بالنصر المؤزر والفتح الأعظم، ورسخّ في آياتها -سبحانه- مشهد إسلام القبائل، ودخولها في ظل التوحيد، كما نبأت السورة الكريمة بدنو أجل النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأمرته بالتسبيح والاستغفار؛ قال -تعالى-: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ* وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا).[١٢][١٣]

المراجع

  1. أكرم العمري، السيرة النبوية الصحيحة محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية، صفحة 477-481، جزء 2. بتصرّف.
  2. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم، صفحة 372، جزء 1. بتصرّف.
  3. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، التعريف بالإسلام، صفحة 262. بتصرّف.
  4. سورة الإسراء، آية:81
  5. محمد بن أحمد باشميل، من معارك الإسلام الفاصلة موسوعة الغزوات الكبرى، صفحة 200، جزء 8. بتصرّف.
  6. محمد سليمان المنصورفوري، رحمة للعالمين، صفحة 117. بتصرّف.
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:1113، صحيح.
  8. عبد العزيز بن عبد الله الراجحي، توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم، صفحة 287، جزء 3. بتصرّف.
  9. شمس الدين الذهبي، تاريخ الإسلام، صفحة 40، جزء 4. بتصرّف.
  10. محمد بن أحمد باشميل، من معارك الإسلام الفاصلة موسوعة الغزوات الكبرى، صفحة 203-205. بتصرّف.
  11. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي شريح العدوي خويلد بن عمرو، الصفحة أو الرقم:4295، صحيح.
  12. سورة النصر، آية:1-3
  13. وهبة الزحيلي، التفسير المنير، صفحة 445، جزء 30. بتصرّف.