مواقف الرسول مع ابنته فاطمة

كانت السيدة فاطمة -رضي الله عنها- أكثر بنات النبي ملازمةً له -صلى الله عليه وسلم-، وأكثرهنّ قرباً منه؛ فالناظر في السيرة النبويّة يلحظ كثرة حضورها في المشاهد والوقائع، وشدّة حبّها وبرّها لأبيها النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-، ونذكر فيما يأتي أبرز المواقف التي كانت بين النبي -صلى الله عليه وسلم-، وابنته فاطمة -رضي الله عنها-.


موقف الرسول مع رغبة علي بالزواج

ثبت في السنّة النبويّة أنّ علي بن أبي طالب خطب ابنة أبي جهل، وأراد أن ينكحها على فاطمة -رضي الله عنها- ابنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأتت فاطمة إلى النبي لتخبره بفعل زوجها؛ وقيل إنّ علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- هو من جاء يستشير النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فلمّا علم بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- غضب وقام خطيباً بالمسلمين؛ فقال: (أمَّا بَعْدُ؛ أنْكَحْتُ أبا العاصِ بنَ الرَّبِيعِ، فَحدَّثَني وصَدَقَنِي، وإنَّ فاطِمَةَ بَضْعَةٌ مِنِّي، وإنِّي أكْرَهُ أنْ يَسُوءَها، واللَّهِ لا تَجْتَمِعُ بنْتُ رَسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- وبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ عِنْدَ رَجُلٍ واحِدٍ...).[١][٢]


حيث ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر زواج ابنته زينب من أبي العاص في الجاهليّة؛ وأنّه كان صادقاً، فوفى ما وعد به؛ من إرسال زينب إلى المدينة عند النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبيّن أنّ الأمر فيما يتعلق بفاطمة -رضي الله عنها- مختلف، إذ لا تجتمع بنت النبي -صلى الله عليه وسلم- وابنة عدّوه في زيجة واحدة؛ فترك علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- هذه الخطبة.[٣]


وينبغي التنبيه إلى أنّ هذا الموقف قد استدل به عددٌ من الطاعنين والمشككين، وقالوا إنّ هذا تصريح من النبي -صلى الله عليه وسلم- بمنع تعدد الزوجات، وتحريم ما أحلّه الله -تعالى- لعباده، ولقد تحدّث العلماء في هذه المسألة على نحوٍ مفصل، وردّوا على من أثاروا الشبهات حولها بالآتي:[٤]

  • إنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- صرّح في رواية أخرى: (... وإنِّي لَسْتُ أُحَرِّمُ حَلَالًا، ولَا أُحِلُّ حَرَامًا...)؛[٥] فهذا تأكيد منه -صلى الله عليه وسلم- بأنّه معصوم عن مخالفة التشريع الإلهي.
  • إنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- خشي على ابنته فاطمة -رضي الله عنها- من الفتنة؛ نتيجة غيرتها من هذا الزواج.
  • إنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- خاف أن ينال علياً بن أبي طالب -رضي الله عنه- شيء من الإثم، بأذيّة النبي -صلى الله عليه وسلم- نتيجة أذى ابنته -رضي الله عنها-.
  • إنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- رفض أن تجتمع ابنته فاطمة -رضي الله عنها-، مع ابنة عدّوه؛ بل أشدّ أعداءه؛ من باب تكريمه -صلى الله عليه وسلم-.
  • إنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كان مُعدّداً للزوجات، فليس المانع من ذلك اعتراضه على تعدد زيجات علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-.
  • رحمة النبي -صلى الله عليه وسلم- بابنته فاطمة؛ التي لا أمّ لها لتؤنسها، ولا أخت؛ فلتلطّف بحالها في هذا الأمر.


بشرى الرسول لابنته فاطمة

قدمت فاطمة -رضي الله عنها- إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وعنده كلّ أزواجه؛ فلمّا رآها -صلى الله عليه وسلم- رحّب بها، وأجلسها بجانبه؛ ثم قرّبها إليه وأسرّ إليها حديثاً، فبكت بكاءً شديداً؛ ولما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- حالها هذا أسرّ إليها بحديث آخر؛ فضحكت مسرورة، مما جعل نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- يتعجبن من حالها، حتى أقبلت عليها أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- تسألها: (ما قالَ لَكِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ؟).[٦][٧]


ولكنّ فاطمة -رضي الله عنها- لم ترضَ أن تفشي سرّ النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلمّا توفي وانتقل إلى الرفيق الأعلى، عاودت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- تسألها عن ذاك السرّ، فقالت لها فاطمة: (أَمَّا الآنَ، فَنَعَمْ، أَمَّا حِينَ سَارَّنِي في المَرَّةِ الأُولَى، فأخْبَرَنِي أنَّ جِبْرِيلَ كانَ يُعَارِضُهُ القُرْآنَ في كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً، أَوْ مَرَّتَيْنِ، وإنَّه عَارَضَهُ الآنَ مَرَّتَيْنِ، وإنِّي لا أُرَى الأجَلَ إلَّا قَدِ اقْتَرَبَ، فَاتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي، فإنَّه نِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ، قالَتْ: فَبَكَيْتُ بُكَائِي الذي رَأَيْتِ، فَلَمَّا رَأَى جَزَعِي سَارَّنِي الثَّانِيَةَ فَقالَ: يا فَاطِمَةُ أَما تَرْضِيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ المُؤْمِنِينَ، أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هذِه الأُمَّةِ قالَتْ: فَضَحِكْتُ ضَحِكِي الذي رَأَيْتِ).[٦][٧]


وبهذا بشّر النبي -صلى الله عليه وسلم- ابنته فاطمة -رضي الله عنها- بكونها سيّدة النساء، وأنّها أول من يلحقه بعد وفاته -صلى الله عليه وسلم-، وذلك بعد أن أعلمها بشأن وفاته وعرض القرآن الكريم عليه.[٧]

المراجع

  1. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن المسور بن خرمة، الصفحة أو الرقم:2449 ، صحيح.
  2. إبراهيم بن عبد الله المديهش، فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم سيرتها، فضائلها، مسندها رضي الله عنها، صفحة 176-177، جزء 4. بتصرّف.
  3. محمد الأمين الهرري، مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه، صفحة 455، جزء 11. بتصرّف.
  4. "توضيح رفض النبي صلى الله عليه وسلم زواج عليّ على فاطمة"، دائرة الإفتاء الأردنية، 19/7/2020، اطّلع عليه بتاريخ 22/2/2023. بتصرّف.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن المسور بن خرمة، الصفحة أو الرقم:3110، صحيح.
  6. ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:2450 ، صحيح.
  7. ^ أ ب ت سعيد حوى، الأساس في السنة وفقهها السيرة النبوية، صفحة 1390-1393، جزء 3. بتصرّف.